"على الإنسان واجب دينيّ يتركّز في دَحْرِ جمهور الاجتواء بوصفهِ عائقًا أمام تيار الحب مِنْ جنّتهِ السليمةَ بالفطرة, وإلا ستُعَشْعِشُ أباليسَ الخوفِ في قلبه. ياسمين الصيرفي"
لم يعد الكاتب صاحبَ معرفةٍ جديدةٍ، وفكرٍ فلسفيٍّ نقديٍّ، وثقافةٍ واسعةٍ، وأسلوبٍ أدبيٍّ متنوعٍ، وتكنيكٍ بلاغيٍّ؛ لتتعرّى أمامه الكلمات على الورق مُجرَّدةً مِنْ رداءِ الحروف، كاشفةً له كل مفاتنها الحسيّةُ المختبئةُ وراءَ السطور، فتزحف أقلامَه ببطءٍ إِزاءها؛ ليُحرِّرها مِنْ جمالها الخام، وليحرِّرنفسه مِنْ نشوته المستترة، واحتراقه المُنتَظَر، فتنكحُ الأقلامُ الكلامَ بنهمِ طفلٍ يتعلمُ لتوّهِ الأبجديّةَ، فتنصرخُ التراكيب العميقة مكلّلةً بالقبلات؛ لتلد لنا مِنْ رحمها نصوصًا أدبيّةً، تتعطّشُ العقول إلى التحديق فيها؛ للذة ذوقها، وروعة جمالها.
إننا نشعرُ بانتصارٍ عظيمٍ مُخَلَّدٍ على أنفسنا عندما تنتزعُ أرواحنا الأسلحة المختبئة في جوفها لِمحاربةِ الخوف، الخوف الداخليّ الذي يسيطرُعلينا في أحيانٍ كثيرةٍ وفي مواقفٍ عديدة، الخضوع لثرثرات الخوف التي تُسكَبُ مِنْ فَيْهِ هلاوسنا الداخليّة في أعماقنا, يؤدِّي ديناميكيًا إلى ظهور الصفات الوراثية التي تؤكد اكتساب جينات الخوف على ملامحنا وصفاتنا الشكلية المسكينة التي يفضحها أبسط شعور يمكن أَنْ يختبئ في الأعماق البشرية التي لا تصلها أشعة الشمس, فيُلقي الخوف القبض على سلوكاتنا، ومِنْ ثُمَّ ينعتنا الآخرون بالجبناء، لكننا عندما نُجبرُ الخوف على الرحيل, وعندما نصفع كل أبواب الدخول في وجههِ , سوف نستمتع بلذة الانتصار على أنفسنا الضعيفة بصيغةٍ خاصةٍ وعلى هيمنة الخوف بصيغةٍ عامةٍ، ثُمَّ سنجني ثمار نضالنا المستمر في بعض الأوقات والمتقاعس أحيانًا، فعندما تفشل كل أنظمة الأفعال التعويضيّة, يتسربُ الخوف في الوعي على شكل نوبات قلق واضحة، فيتدفق الاضطراب وتجزعُ النفس, وإذا ما استوطن الخوف في ذاتنا, سيسرقُ المستوطنُ ثرواتُ نفوسنا, وسنصبحُ حينها مطية سهلة لكل محيطنا، وسنرى الخوف في كل مكان، سيعشعش في عقلنا الباطنيّ، سيلتصق بهِ التصاقًا مؤبدًا غير قابل للتفكك, فالخوف مِنْ فيروس كورونا مثلًا قد يتولد إثرَ ذبذباتٍ سلبيّةٍ استقرّت بفعل استنباط حقيقة الخوف مِن المعارف السابقة والمتراكمة عن ماهيّته في ذاتنا فأصبحت هوسنا الوحيد، فيتحول هذا المفهوم مِنْ العموميّة إلى الخصوصيّة, فيصبحُ الخوف جزء لا يتجزأ مِنْ ذواتنا, نسقطهُ على كل حدث في مستويات خاصة بالإنسان في حد ذاته, وبعد ذلك يحدثُ التطور على مستوى الإنسانيّة جمعاء, فها هي البيوت قد أظلمت والحياة قد انغلقت، والأسواقُ كُسِدَت، والعلمُ يبكي مِنْ فراقِ طالبيه, وحياتنا تحولت إلى صحراء جرداء، فصِرنا ضحيةً باليةً لخوفنا، نفتشُ عن أدنى سبيل للاستقرار, فتدفعنا الذاكرة بقوةٍ جبريَّةٍ دونَ مشورةٍ مِنَّا, بفطرة التعطش الدائم والمُلِح للأمان والوقت المَرِح, وتجبرنا على صفع البيبانِ المفتوحة في وجه الخوف ودَحْرِهِ عن معالم حياتنا وتضاريس بيوتنا وملامح أرواحنا البريئة مِنْ أفعال التدنيس التي يمارسها الخوف في محرابها الطاهر.
فالعلاج الناجح مثلًا لِمن يعانون مِنْ رُهاب خشبةِ المسرحِ هو استفتاح حديثهم بالفكاهة، أو تطبيق أي وسيلة صالحة لغاية ولادة (الوقت المَرِح), فالفكاهة طريقة فعَّالة للشعور بالاتحاد مع إنسانيّة الجمهور، واكتشاف تعاطفهم، وشعورنا مِنْ ضحكاتهم المتوالية بالتشجيع، فيخف روعنا ويختفي رهابنا، ويصبح التحدث أمامهم ممتعًا مِنْ خلال تحول مستويات الشعور لدينا, فتنزلق كل الطاقة المتكوِّمة في المستوى الأعلى مِنْ مدار الشعور بالخوف, إلى مستوى منخفض أكثر ومليء بالأمان, فالخوف هو ما يعمينا عن مخاطر الحياة, ويهدد استمراريّة صحتنا النفسية بالتقدم، إنَّهُ أكبر خطر في حياتنا وسبب في فشلنا الدائم.
لو تفكرنا قليلًا في الاستفادة مِنْ توزع حاجاتنا الإنسانية على مداراتِ ما يهدد استمرار عيشها بهدوء, لوظفنا الحب في علاج النفس الإنسانية المرتجفة بفعل تيار الخوف، إنَّهُ مِنْ أكثر الآليات نجاحًا، فللحب ذبذبات مرتفعة لها تأثير شفائيّ روحانيّ جميل، ومقدرة عجيبة على نشر الأمل، فسبغ طاقة الحب لا يكون بكلمات جميلة نسبغها على المحب في فترات زمنية متقطعة، وإنما يكون بالوجود الفعليّ قربه, فحاجتنا إلى الحب, تدفعنا لتطبيق أفكاره, وتحويل نظرية الحب لممارسة عمليّة في الحياة الإنسانيّة, سيخلق دفئًا لا متناهيًا في حياتنا البعيدةَ عن الشمس مِنْ دون الحب.
عندما نحطم أي عائق مُتَسَمِّر في طريق الحب؛ ستزداد قدرتنا على الحب تدريجيًا، فلطاقة الحب قدرة عجيبة على شفائنا مِنْ أمراض العصر التي طوّقت حياتنا، حتى أصبحنا أداة سهلة في يدِ الكره، يستخدمنا كيفما شاء، فالسماح برحيل مقاومة مخاوفنا باستمرار، وتخلينا عنها، يؤدي إلى تحرر الطاقة المقيّدة بالخوف داخلنا، فتظهر لنا لتتألق كطاقة حب، فنكون كالشمس تُبَثُّ أشعتنا في كل مكان؛ فننير ظلمة أنفسنا, ونتخلى عن كل نقاط العتمة التي احتلت أدمغتنا قديمًا.
الحب غريزة تتدفق عبر أوردتنا، معلنةً ولادةً جديدةً، فإذا أردنا اكتشاف طاقة الحب داخلنا، علينا التسليم برحيل غيوم السلبية، لتحيا مكانها غيوم الحب فتُغيثُ حياتنا بكل مشاعر السعادة. فكلما صعدنا للمحبةِ واسعة المدى قل الانغماس في حب الذات وخدمتها، فيُعثَرُ على جثة الأنانيّةِ متلبسةً بالسُم, فالرغبة العمياء هي مَنْ تحجب نظرنا عن الهدف الأسمى، والعقل لديه قوة خارقة تسيطر علينا، فكلما كانت هذه القوة سلبية حاول أَنْ تقابلها بقوة إيجابية، فإلغاء البرمجة السلبية للعقل؛ تكون بالتخلي عن المتعة التي تحصل عليها مِنْ المكافآت السلبيّة.
تعتبر المشاعر المقموعة والمكبوتة برفقة العوامل المحفزة على الضغط هي المسؤولة عن كل أشكال الألم والمعاناة التي نعاني منها في حياتنا، فالإعتراف الدائم بهذه المشاعروالسماح لها بالرحيل؛ يقلل من عملية التوترفينعكس إيجابيًا على حجم المشكلات المسيطرة علينا، حينها ننعم بحياة ملؤها السعادة.