الكثير منا يرى أن البلديات معنية بتعبيد الشوارع وترخيص المهن وأذون الاشغال وجمع وتصريف القمامة وغيرها من المهام الموجهة لادامة صحة وسلامة المجتمع. المهمة الغائبة ترتبط بجمال المكان وتناسق مكوناته واكسابه الروح التي تولد الرضا لأهله وتدفعهم للزهو والاعتزاز بانتسابهم له. باستثناء حالات قليلة ونادرة لا يوجد على قائمة اهتمامات المجالس البلدية مثل هذا الهدف كما لا يولي الكثير من الرؤساء والأعضاء مثل هذا الموضوع الاهتمام الذي يستحق.
لا شيء يدهشني وأنا اتجول في القرى والمدن الأردنية أكثر من العشوائية التي تتوزع فيها المساكن والغياب الواضح لهوية المكان وجمالياته. انتشار المساكن والتداخل الكبير بين أنواع وأشكال استخدامات الأراضي والغياب اللافت للتخطيط والرؤية الجمالية للمناطق التي يجري تنظيمها وشمولها في حدود المدن والقرى والضواحي السكنية… يسلب المكان الكثير من سحره.
لا أعرف الأسباب الحقيقية لاستمرار هذا الوضع بالرغم من وجود وزارة متخصصة ومجالس منتخبة وإدارة لهندسة البلديات. منذ سنوات تولدت لدينا فكرة تتعلق بتزيين مداخل المدن والسعي لاكساب كل مدينة أو بلدة هوية خاصة بها يشتق منها رمز يدلل على شهرة المكان وميزته النسبية سواء كان في الطبيعة أو المنتج أو النشاط الذي يشغل أهله.
المشروع الذي جاء كمبادرة من وزارة الثقافة في 2009 توقف بعدما أبدى وزراء البلديات والزراعة آنذاك تعاونهم واستعدادهم لدعم المشروع الذي حمل اسم «تجميل مداخل المدن» واستهل نشاطاته في بعض بلدات الكرك بصفتها مدينة الثقافة الأردنية لذلك العام.
بالامس التقط أحد الهواة صورة لقريتنا عيمة الواقعة الى شمال مدينة الطفيلة والمطلة على الأغوار الجنوبية. الصورة البانورامية التي اظهرت القرية والمناطق الجبلية التي تفصلها عن البحر الميت متداخلة مع زرقة البحر وسفوح جبال فلسطين كانت أجمل الصور التي علقت في مخيلتي عن القرية التي عشت فيها كل طفولتي وبقيت ازورها كلما سنحت لي الظروف. كنت اتمنى لو أن أهلنا اقاموا مباني قريتهم عند النقطة التي التقطت منها الصورة أو ان يؤسس استراحة تستضيف زوار القرية للاستمتاع بالتداخل الطبيعي للطبوغرافيا والألوان.
في بلادنا الكثير من الجمال الذي لم نلتفت له بالرغم من انه يحيط بنا اينما نظرنا. لعقود طويلة بقي الفن والجمال خارج أطر التفكير والتخطيط والاعتبارات التي نأخذها عند اعداد تصوراتنا للمشروعات الانشائية والعمرانية الجديدة. في مصر والإمارات العربية وقطر وغيرها من البلدان المحيطة تمكنت السلطات البلدية والبحرية وإدارات المدن والاسكان من تقديم نماذج مبهرة للضواحي والمدن والأحياء الجديدة.
لطبوغرافية وتضاريس الأردن جمال أخاذ إلا انه لا يظهر كثيرا في التصاميم والمخططات التي تعدها الجهات الرسمية وغير الرسمية. حتى اليوم لا تبدو أي آثار للتخطيط والتنظيم على مواقع المدن والضواحي ولا على الشوارع والمباني والمتنزهات. من المحزن اننا نسمع عن المخططات الشمولية وعوائد التنظيم دون ان نلمح تطورا على الأساليب التي تتبع في إعدادها والمخرجات التي تنتج عنها. منذ أكثر من خمسة عشر عاما ونحن نرقب استكمال مشروع الأبراج التي قرر بعضهم تشييدها وسط منطقة مكتظة بالمساكن والبنى غير مهيئة لاستيعاب ما قد يتولد عند استكمالها من مرور وتصريف وضوضاء.
التطوير والازدهار لا يحدث بتزايد اعداد المباني وعلو ابراجها بمقدار ما يرتبط باظهار جماليات البناء وتوظيف الطبوغرافيا والتجانس والهندسة والمواد في ابراز خصائص وميزات الموقع وتوليد الراحة والتقدير لدى المستخدم والزائر.
اليوم ومع استقرار الأمن وتوفر الخدمات غير المتصلة بالمكان أصبح من الضروري التفكير مجددا بخيارات أفضل لمواقع المساكن والقرى والضواحي الجديدة فلم تعد المواقع محكومة بمصادر المياه ولا القرب من المناطق الوعرة لتجنب اخطار الغزو التي كانت تهدد وجود الجماعات.
الغد