أين يحتفل الملك بعيد ميلاده كل عام!
أ.د. خلف الطاهات
30-01-2021 07:12 PM
دعوني احدثكم اليوم عن جلالة القائد وسيكون حديثي عفويا وبلا تكلف عن "سيدنا" ... هذه الكلمة التي تفرد بها الاردنيون عندما يتطرقون لذكر جلالة الملك باتت عنوانا عريضا للبساطة في العلاقة بين الطرفين ومثلت ركيزة من ركائز العقد الاجتماعي مع الهاشميين.
شكل الاحتفالات في اعياد الميلاد معروفة وتقليدية ... لكن دعوني اطلعكم على اسلوب فريد تميز به (سيدنا) عن الكثيرين في الاحتفال بيوم مولده الميمون.
فمنذ أن وجّه جلالة الملك حكومة الدكتور معروف البخيت في عام 2007 بإلغاء عطلة عيد ميلاده وذلك تجسيدا لمفاهيم تعزيز الانتاجية وترسيخا لثقافة الإخلاص في العمل وحرصا على تواصل عطاء الأردنيين والأردنيات، فان جلالته لا ينفك في كل عام يتزامن يوم ميلاده على الالتحام والاقتراب وبقوة وبدون مقدمات من ابناء شعبه بكل السبل والطرق عبر جولات وزيارات ولقاءات ومتابعات ميدانية في اقاصي الوطن واطرافه شماله وجنوبه، متجاوزا البروتوكولات الرسمية التي نقرأ عنها ونتابعها إعلاميا في حياة الملوك وقادة الشعوب!!
فقبل عام قرّر جلالته ان يقضي عيد ميلاده الـ 58 في جولة مكثفة وشاملة في جنوب الأردن الأغر، هناك زار جلالته مدناً وقرى وتجمعات بعضاً منا لا يعرف اين تقع على خارطة الوطن!! في قريقرة وفينان ورحمة وقطر ووادي عربة، هناك، حيث وجع الأردنيين ومنبع فخرهم كان جلالته في عيد ميلاده يشاركهم همومهم ويمسح أوجاعهم ويزرع معهم وفيهم الأمل عبر لقاءات ممتدة مع وجهاء وممثلي المجتمع المحلي في العقبة ومعان والشوبك يتلمس واقع الزراعة وتنمية السياحة.
وإذا كان جنوب الوطن رئة القائد فالشمال قلبه النابض، فقد كان شمال الوطن، وتحديدا الرمثا الحدودية مع الشقيقة سوريا على موعد مع الملك في عيده الـ 57، هناك جال وزار وتفقد واستمع جلالته للصغير قبل الكبير، هناك قضى جلالته يوم عيد ميلاده مع أبناء شعبه على حدود الوطن الشمالية، وعلى مسافة أمتار، حيث الجبهة مشتعلة بالطرف السوري اقتتالاً بين جماعات مسلحة تسمع صدى تفجيراتها في كل قرى الحد الشمالي الأردني!!
ولأن الجيش سيرة وطن وتاريخ دولة، وحب هاشمي يتجاوز الزمان والمكان، فلا غرابة وعبدالله وارث الثورة والعسكري المقدام، ان يقضي أياماً بين رفقاء السلاح بما فيها يوم ميلاده، هناك في ميادين الفخر والمجد والبطولة والرجولة!! نعم هناك بين العسكر يهرول معهم في طابورهم الصباحي، ينشد بفخر أهازيج الجيش الخاصة التي ترفع المعنويات والروح القتالية.. هناك في ميادين الجيش ومع تشكيلات القوات المسلحة تتعالى حناجر الجند، ويتقدمهم القائد عبدالله "سرررريع الخطوة، 1،2،3، يسار يمين، تربية تربية ، عين 1، 2 اقوى، هالله هالله..مالنا مولى سوا الله...".
هناك بتوفيق المولى وعناية الرحمن الصمدانية، ومع غبرة الميادين وباللباس العسكري والفوتيك والقايش وبلقمة هنية لقلاية البندورة على الحطب، يقضي جلالته اجمل لحظات عيد ميلاده ..لحظات المعنويات، لحظات نستذكر فيها سيرة عطرة من التضحيات لقواتنا الباسلة في ان تبقى على الدوام درع الوطن المنيع الهايب المهيوب، تقف هذه القوات المسلحة برعاية الهاشمين صخرةً منيعةً تتكسر عليها كل المؤامرات والصفقات التي تستهدف النيل من كرامة الأردن والأردنيين!! فلا غرابة ان يقضي جلالته عيد ميلاده الـ 56 في منطقة المقابلين، ومع الجند و بين العسكر، مفتتحاً متحف الدبابات الملكي الذي يضم اليات مدرعة كان لها دور في معارك الحق والبطولة، التي خاضتها القوات المسلحة الأردنية دفاعاً عن الوطن وثرى فلسطين.
في العيد الـ55 لجلالته كان يوما ضاغطا حافلا بالعمل والعطاء، في هذا اليوم قاد جلالته حراكاً دبلوماسياً مكثفاً عالمياً طال أبرز عواصم صنع القرار العالمي، في وقت شهد موجات لجوء غير مسبوق للجوء الإنساني السوري، حيث كان للأردن نصيب الأسد في استقبال الأشقاء السوريين. في موسكو ولندن وواشنطن حمل الملك الإنسان أوجاع الاشقاء وهموم الأردنيين، لم يترك باباً إلا طرقه لتمكين الأردن من القيام بواجباته الإنسانية في ملف اللجوء، والذي خُذلنا فيه عبر إطلاق وعود من المساعدات و لم تصل دولارت مؤتمر لندن للمانحين الا قليلا، فبقي الأردن وحيداً يتحمل عن المجتمع الدولي تبعات اللجوء الإنساني على حساب مشاريع التنمية التي تستهدف الأردن والأردنيين وحياتهم المعيشية.
واليوم في عيده الـ59 يحتفل جلالته بطريقته الخاصة بعيد ميلاده الميمون، فيقرر أن يتوجه بمخاطبة شعبه الوفي عبر وكالة الأنباء الأردنية "بترا"، نعم اختار جلالته منبراً إعلاميا طالما كان ولا زال مصدر فخر للإعلام الأردني، ومصدراً موثوقاً للمعلومات، ومرجعاً في المهنية والمصداقية، ورافعةً حقيقيةً لرسالة الدولة في الداخل والخارج.
اليوم شارك جلالته وعبر حوارية شاملة مع الزميل فايق حجازين مدير الوكالة، أفكاره ومشاعره و تطلعاته وطموحاته مع أسرته الكبيرة، أعرب لنا عن حجم فخره واعتزازه بأنه جزء من هذا الشعب الأردني العظيم، همس لنا عن الأعراض الجانبية التي أصابته جراء مطعوم كورونا، حدثنا عن أخذه للمطعوم التزاماً بالتعليمات، شكا بمرارة عما علق بالجهاز الإداري من شوائب، أوصانا بأن نحمي أنفسنا وأفراد أسرتنا ومن نحب من الفايروس اللعين كورونا بأن نلتزم بالتباعد وبالكمامة، حثنا على الصبر وأن يبقى هذا الوطن قوياً بحراسته من كل شر بدون مجاملات على حساب الاردن والأردنيين، حكالنا بعفوية الأب لأفراد أسرته " بدها شدة حيل من الجميع" قالها وهو يعلم ان وراء شعب عظيم لا يعرف في قاموسه مفهوم "المستحيل".
نعم كانت ولا زالت أعياد ميلاد جلالة الملك أياماً أقل ما يمكن وصفها بأنها "استثنائية"، حَظِي فيها الأردنيين بان يقضي جلالته أجمل اللحظات بينهم ومعهم قائداً ومليكاً وأباً وأخاً، وقبل هذا وذاك إنساناً يُصّر في كل لقاء وكل تواصل مع أبناء شعبه على نهجه الانفتاحي بقوله "بدنا نسمع منكم" !! بهذه الجملة يكرر جلالته على الحضور أهمية مساعدة الديوان الملكي والحكومات بأهمية تقديم مقترحات عملية قابلة للتنفيذ من شأنها ان تسهم في تنمية أبناء الوطن وتنعكس إيجاباً على حياتهم المعيشية، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على إيمان جلالته بفلسفة التشاركية في صنع القرار وتحمل المسؤولية في صناعة مستقبل الأردن والأردنيين.
كانت زيارات ولقاءات وجولات جلالته في أعياد ميلاده رسالة واضحه لكل مسؤولي الدولة الأردنية، فالاشتباك مع المواطنين والانفتاح على مكونات المجتمع الأردني والاستماع لمطالب وهموم الناس والنزول الى الشارع والعمل على حل مشاكلهم من الميدان هو نهج ملكي أصيل ثابت في إدارة شؤون الدولة، فان يقضي جلالته جل يومه _ وهو ليس باليوم العادي _ بين أهله وعشيرته في مختلف مناطق المملكة من أقصاها الى أقصاها، فهو حدث أكبر من ان يوصف وأعمق في الدلالات والرسائل، التي يؤكد دوما جلالته ان عيد ميلاده هو يوما للعطاء والإنجاز والبناء.
فالحقيقة الثابتة وأمام تقصير الحكومات المتتالية وابتعاد مسؤوليها عن الشارع، كان ولا يزال الملك الحاضر دوما والمتابع المستمر والراصد الحقيقي لنبض الشارع المحب له والملتف حوله، ولا يدخر جهداً سواء باتصالات او مشاركات او زيارات او اجتماعات مع أبناء الوطن للاطلاع على الواقع الحقيقي للشعب دون تزييف او تدليس! وباختصار لدينا في الأردن نعمة كبيرة نغبط عليها من دول أخرى وهي القيادة الهاشمية والتي كُلنا في هذا الوقت وكل الأوقات مدعوين الى مزيد من الالتفاف حولها والسير بثبات وقوة خلفها والتمسك بها. عاش الملك.. وسلام الله عليك يا عبد الله!