تساؤلات مشروعة يطرحها د. محمد جواد رضا
يوسف عبدالله محمود
30-01-2021 02:46 PM
كتاب "تربية العامة.. تربية الخاصة" لعالم التربية الراحل د. محمد جواد رضا، حيث يسلط الضوء على جملة من القضايا التربوية التي اعتدنا كعرب المرور بها مرورو الكرام دون ان نغيرها ما تستحقه من جدّية وغوص في أعماقها بروح علمية جدلية. ومع الأسف، فلم يُعنَ الكثيرون من علماء التربية العرب المعاصرين بالمهمة الرسالية للتربية العربية في صُنع الحياة الديمقراطية كما تتوق اليها أجيال هذه الامة.
فما هو حاصل لا يبشر بالخير، فثمة تزييف للوعي لا حدود له أو على حدّ قول هذا الباحث "مجتمعاتنا مجتمعات ثيوقراطية او أوتوقراطية تزّيف الوعي في عقول أجيالنا الجديدة وتزُقّها قيم التظالم والاستعلاء والتعصب". (المرجع السابق)
يطرح د. محمد جواد رضا مجموعة من التساؤلات الذكية والمشروعة مُجيباً عن بعضها وفق اجتهاداته العلمية تاركاً التساؤلات الاخرى دون اجابة حاسمة عتاده ان الاجابه المقنعة عنها مازالت بحاجة الى مزيد من الدراسة والاستكشاف.
من ابرز هذه التساؤلات ما أسماه بِ"قضية الانشطار الاجتماعي العظيم الذي خيّب رأي الاسم بالمسلمين، انقسام الناس الى عامة وخاصة، وكيف بقي هذا الانشطار يمثل خط الضعف الاساس في المجتمع العربي لأنه ناقض مناقضة قبيحة ما كان الاسلام يريده من تأسيس التسوية بين الناس في الانسانية".
وقد لاحظ المؤلف ان هذه القضية المثارة لها جذور موغلة في القدم، فقد عاش سلبياتها المجتمع العربي والاسلامي منذ قديم الزمان، فوجدنا ان العلم والمعرفة يتم حجبهما عن عامة الشعب بدعوة انها لا تمتلك درجة كافية من الوعي شأن طبقة "الخاصة" المؤهلة وفق هذه الرؤية الظمية للإدراك والفهم.
"هذا التصدع في الحياة العقلية للأمة لم يكن ليمر من دون ان تكون له آثاره السلبية، وأول من تأثر بهذه السلبيات كانت المؤسسة السياسية".
ينظر المؤلف نظرة شمولية الى هذه الظاهرة فلا يعزلها عن غيرها، بمعنى ان ثمة علاقة جدلية بصورة او بأخرى بين جميع مفردات الحياة الانسانية. ثمة علاقة من حيث التأثير والتأثر. وكشأنه دائماً يعمد هذا الباحث والمفكر الى التراث العربي والاسلامي ليؤكد ما يتوصل اليه من استنتاجات، وهي استنتاجات تدل على تسطيح للوعي الانساني تمارسه المؤسسة التربوية، ومصادرة لحق البشر العاديين في اكتساب العلم والمعرفة.
وهنا اتساءل: هل هذه الظاهرة السلبية قد فارقت تماماً مجتمعاتنا العربية والاسلامية، ام انها مازالت موجودة هنا وهناك وبتسميات مختلفة. خُذ مثلاً ما درجنا على تسميته اليوم بمجتمع "النُخبة" او "الصفوة"، وبمقابله مجتمع "الجماهير الشعبية" او "الطبقيات الشعبية"، ألا تدل هذه التسميات على أننا ما زلنا نكرس مفهوم "الأقدمين" وهم يتحدثون عن مجتمع "الخاصة" ومجتمع "العامة"؟ إن تكريس هذه الظاهرة قد جاء نتيجة عهود الظلم والاستبداد، حيث يتم تقريب ابناء الذوات من علية القوم في حين يتم اقصاء ابناء الفقراء. إن استمرار هذا الحال على المستوى التربوي والاجتماعي سيؤدي -وكما لاحظ المؤلف- الى ترسيخ (الحرمان) المعرفي والثقافي.
تُرى متى نتحرر من هذا "الرحرمان المعرفي"؟