المعاناة التي يواجهها الاردني لا تتوقف عند البحث عن قبول في الجامعة ولا مقعد في التخصص الذي يرغب او وظيفة بعد التخرج بل تمتد على مدى الحياة فهو يشكو قلة الراتب وتأخر العلاوة وقصر مدة الاجازات ونقص الحوافز ونتائج التقييم السنوي ويبقى معترضا ومتذمرا يتمتم في السر والعلن للتعبير عن غضبه من تعيين احدهم في موقع كان الاولى ان يكون له.
في نهاية رحلة عمل لا تخلو من المتاعب يجد المستخدم الاردني ان حياته اصبحت خارج السيطرة فقد اتخذ مجموعة من الرؤساء ولجان التقييم قرارا بإحالته الى التقاعد دون علمه او سابق معرفته او تهيئة لهذه المرحلة. باستثناء القليل من الاشخاص يشكل القرار المفاجئ صدمة كبيرة يزيد من حدتها الطريقة التي يدار ويخرج فيها القرار.
غالبية مشاعر الغضب والمرارة التي يشعر بها المتقاعد لا تتولد من حقيقة توقفه عن العمل وتغيير مسار حياته بل من الطريقة التي يجري اتباعها في اتخاذ القرار والاسس التي يعتمدها الاشخاص المخولون بالتقييم وآلية ابلاغ المتقاعد عن حقيقة انه لم يعد عضوا في المؤسسة او المهنة التي امضى زهرة عمره فيها.
في الجلسات التي يلتقي فيها المتقاعدون ويأتون على سيرة مؤسساتهم يمكن ان تستمع الى عشرات الروايات التي تتحدث عن متقاعد ابلغه المراسل بخبر تقاعده وآخرون ذهبوا الى العمل ليفاجأوا بأن آخرين عينوا مكانهم واشغلوا مكاتبهم دون ان يخبروهم ليتجنبوا الحرج.
المؤسف ان هذا العرف ما يزال سائدا في مختلف انواع واشكال المؤسسات بالرغم من آثاره السيئة على المؤسسة ومستخدميها والمتقاعدين وروحهم المعنوية وصلتهم المستقبلية بالمؤسسة والزملاء الذين كانوا بمثابة البيت والاسرة الثانية لهم.
لا أعرف الاسباب التي تمنع المؤسسات من اتباع خطط مسيرة عمل للمستخدمين تحدد المسارات المهنية والمدد الافتراضية والاوقات المحتملة للتقاعد والخطة المستقبلية للعامل بعد انتهاء العمل. من غير المفهوم اصرار المؤسسات على اعادة انتاج ممارسات فيها من القسوة وقلة التقدير والاعتبار ما يكفي لتوليد الغضب وقتل الانتماء واحداث القطيعة بين المتقاعدين ومؤسساتهم.
للتخفيف من القسوة والحد من المعاناة والغموض الذي يمهد للتجاوزات لا بد من ان يعرف المستخدم حقوقه الوظيفية ويعي محطات مساره المهني والفرص التي يمكن ان تتاح عبر رحلته المهنية والشروط التي تؤهله لاستثمارها والاسباب التي قد تعيقه وتحول دون الافادة منها. من المهم ان يعمل الجميع ضمن بيئة شديدة الوضوح تتكافأ فيها الفرص للجميع ويشعر كل واحد بأحقية وجدارة الاشخاص المنتخبين لإشغال المواقع المختلفة في المؤسسة التي يعملون فيها.
في البيئة الادارية المحفزة ترتبط الخيارات المهنية بالميول والاستعدادات والمواهب فلا احد يقفز الى مهنة او عمل لا يعرف اصوله او غير مؤهل لادائه ولا يجرؤ احد على التقدم لوظيفة لمجرد انه قريب لمن يصنع القرار او انه على صلة طيبة بمن يستحوذون على المؤسسة ويسيرون اعمالها. من غير الممكن التقدم او النجاح لمؤسسات لا تختار العاملين في ضوء معايير واضحة ودقيقة وموزونة تجري لها مسابقات موضوعية وشفافة لا مكان فيها للواسطة ولا التمييز.
من المهم ان نعلم جميعا ان التقاعد ليس عقوبة نوقعها على من لا يحبه المسؤول او يختلف في الراي معه بل هي "مرحلة من العمر يختار ان يقضيها الفرد بلا عمل او مسؤوليات مهنية بعد قضائه لسنوات طويلة في ممارسته الوظيفة او المهنة او الحرفة التي كان قد سلكها". وينظر غالبية الناس الى التقاعد باعتباره استحقاقا للفرد يأتي كقرار طوعي يخطط له الفرد ويشارك في تحديد موعده ويتهيأ للتكيف معه.
(الغد)