مواقف أردنية مشرفة في وجه ترامب
د.أحمد بطاح
28-01-2021 07:10 PM
مُنذ أن اعترف الرئيس الأمريكي " هاري ترومان " بإسرائيل عام 1948 دأبَّ الرؤساء الأمريكيون المتعاقبون على دعم إسرائيل بدون حدود بحيث كان كُل واحد منهم يحاول التفوق على سلفه في هذا المجال، وأمّا ترامب فلم يكتفِ بدعم إسرائيل بل حاول في الواقع تصفية القضية الفلسطينية نهائياً لصالحها، وقد كان ذلك من خلال اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، وشرعنة المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة ( في الضفة الغربية تحديداً )، وحجب المساعدة المالية عن الأنوروا (UNRWA) وهي وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، ولكّن الأردن أدرك مآلات المشروع الأمريكي المُسمى "بصفقة القرن"، ووقَفَ بصلابة أمام هذا المشروع ( من خلال تأكيده على حل الدولتين ، وإعلانه الصريح رفضه لاعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، وللاستيطان الإسرائيلي، ولإيقاف الدعم للأنوروا )، حيثُ كان مُدركاً أن تنفيذ هذا المشروع يعني المس بمصالحه الوطنية العليا، كما كان واعياً كذلك أنّ لديه من الأوراق ما يلعبها لتفشيل هذا المشروع الذي لا يرمي فقط إلى إنتهاك حقوق الفلسطينيين في وطنهم، ولكن إلى تحميل الأردن ما لا يستطيع احتماله كوطن وككيان .
ومن الجدير بالذكر في هذا السياق أنّ الأردن لم يكتفِ بتسجيل موقفه الثابته في كافة المحافل الدولية واللقاءات ذات العلاقة (وبالذات لقاء جلالة مع نائب ترامب مايك بنس)، وإنما بذلّ جهوداً كبيرة مع الدول الأخرى ، وبخاصة في جمع الأموال اللازمة " للأنوروا " لتمكينها من القيام بدورها في مساعدة اللاجئيين الفلسطينيين ، ولضمان استمرارية تجسيدها لحق الفلسطينيين في العودة .
ولعلّ تميّز الموقف الأردني يزداد وضوحاً عندما نتذكر أنّ الأردن يتلقى مساعدة أمريكية كبيرة تصل إلى مليار ونصف سنوياً، الأمر الذي يجعل يد ترامب ثقيلة إذا أراد استعمالها ضد اقتصاده المُنهك بفعل نسبة مديونية كبيرة، ونسب بطالة وفقر عالية وبخاصة في ظل جائحة كورونا والانكماش الذي سببّته ليس فقط على الصعيد الأردني، بل على الصعيد العالمي كُله.
ولعلّنا لا نبالغ إذا قلنا بأنّ هذا الموقف الأردني ازداد تألقاً وروعة عندما نتذكر أنّ ترامب قد استطاع اجراء ترتيبات تطبيعية عديدة بين بعض الدول العربية وإسرائيل مستغلاً الظروف الاقتصادية لبعض الدول العربية كالسودان ( الذي كان يهفو إلى رفع اسمه من قائمة الإرهاب )، ومخاوف البعض الآخر (دول الخليج التي تتوجس من التسلح والنفوذ الإيرانيين)، وتطلعات البعض الثالث كالمغرب ( الذي كان يرنو إلى مزيد من الاعترافات بتبعية الصحراء المغربية لهُ ).
لقد صمد الأردن في وجه مشروع ترامب صموداً مشرفاً متسلحاً بدعم مواطنيه ، وإيمانهم الذي لا يتزعزع بعدالة القضية الفلسطينية وبدوره القومي التاريخي في الدفاع عنها. إنّ من المؤكد أنّ ذلك لم يكن سهلاً ، ومن المؤكد أنّ الأردن عانى ما عاناه في مواجهة الموقف الأمريكي الذي تبنته الإدارة الآفلة، ومن حُسن الحظ أنّ الموضوع انتهى الآن ، ولم نعد نعاني من " كابوس " ترامب !