خصوصية المراسلات الرقمية واحقية الدولة في اعتراضها
مشعل بني خالد
28-01-2021 04:27 PM
لقد كفل الدستور الأردني حق حرمة المراسلات حيث ذكر ذلك في عدة محافل منها الدستور والقوانين والانظمة المختلفة وكذلك العديد من الاتفاقيات الدولية التي شارك بها الأردن حرمة المراسلات وخصوصيتها، حيث ذكر في المادة السابعة من الدستور 7/2: "كل اعتداء على الحقوق والحريات العامة أو حرمة الحياة الخاصة للأردنيين جريمة يعاقب عليها القانون".
فنلاحظ من هذه المادة ان الدستور قد كفل ونص على حرمة الحياة الخاصة للأردنيين وأن اختراق هذه الخصوصية جريمة معاقب عليها قانونا، فهل هذا القيد يجري على اطلاقه بحيث لا يمكن للحكومة ان تخترق خصوصية المراسلات الرقمية بكافة انواعها سواء الاتصالات او المراسلات او غيره؟
في حقيقة الأمر أنه بالرغم من هذا التقييد إلا أن مواد اخرى سنعرج عليها خلال البحث قد وضحت الآلية الناظمة لصلاحية الحكومة واجهزتها، في الرقابة على من يشتبه ضلوعه في أمر مخالف للقانون وسنوضح الآلية بالتفاصيل خلال دراستنا لهذا المقال.
فنلاحظ انه بعد ان جرى هذا القيد المذكور في المادة السابعة من الدستور على اطلاقه، جاءت المادة الثامنة عشر لتخفف هذا القيد وتفصله اكثر، بحيث نصت المادة الثامنة عشر من الدستور على انه "تعتبر جميع المراسلات البريدية والبرقية والمخاطبات الهاتفية وغيرها من وسائل الاتصال سرية، لا تخضع للمراقبة أو الإطلاع أو التوقيف أو المصادرة إلا بأمر قضائي وفق أحكام القانون".
فنلاحظ هنا ان الدستور قد كفل فعلا خصوصية المراسلات والحياة الخاصة للأفراد، لكنه سمح باعتراض هذه المراسلات في حال كان هنالك مسوغ قانوني حصره المشرع الدستوري بالأمر القضائي، بحيث لا يسمح بخرق هذه الخصوصية إلا إذا وجد أمر قضائي يخول بذلك.
وفي الحقيقة فقد وفق المشرع بوضعه هذا القيد او الشرط –الامر القضائي-، فلو لم يسمح المشرع لخرق خصوصية المجرم لجعل ذلك الامر المراسلات ملاذا امنا للتنصل من المسؤولية الجنائية من قبل المجرمين، وبالمقابل لو ترك الامر على اطلاقه بحيث يسمح لأي جهاز بالتنصت على المراسلات لكان ذلك خرقا صارخا لخصوصية الافراد وحقهم بحرية التعبير ضمن حدود القانون وقد يشكل ايضا انتهاكا لشرفهم ومكانتهم الاجتماعية في حال اذاعة ما تم اعتراضه.
لذا وكون المشرع قد اشترط وجود أمر قضائي للسماح بخرق خصوصية الفرد واعتراض مراسلاته الرقمية والورقية، فأنه قد اتخذ الحل المتوسط الانسب بحيث يضمن أن لا يتم التعدي على خصوصية افراد بشكل متعسف ويضمن في ذات الوقت عدم إفلات المجرمين من العدالة.
فما هي الشروط الناظمة لهذه العملية؟
لنتمكن من فهم الآلية سوف نغطي الآلية القانونية في الأردن اولا، وثانيا نعرج على بعض من التطبيقات القانونية ومنها تطبيق واتساب وغيره من التطبيقات والاجهزة التي تسمح باعتراض او سحب سجلات المكالمات او المراسلات.
اولا الشروط الناظمة لآلية الاعتراض:
1. أن يكون هنالك أمر قضائي، فحسبما رأينا في المادة الثامنة عشر من الدستور أن المراسلات بكافة انواعها خاصة ولا يجوز اعتراضها إلا بأمر قضائي صادرا حسب الاصول المرعية.
حيث تنص المادة 348 عقوبات: "يعاقب بناء على شكوى المتضرر بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبالغرامة مائتي دينار كل من خرق الحياة الخاصة للآخرين باستراق السمع أو البصر بأي وسيلة كانت بما في ذلك التسجيل الصوتي أو التقاط الصور أو استخدام المنظار، وتضاعف العقوبة في حال التكرار".
2. ان لا يفشى المحتوى الذي تم اعتراضه للعامة، وانما يتم حصر الاطلاع عليه بالجهات المقدمة للطلب سواء اكانت امنية ام قضائية وبشكل يراعي القوانين والانظمة الخاصة بتلك الجهة، حيث نصت المادة 65/ب من قانون الاتصالات "لا يجوز نشر او اشاعة مضمون الرسائل التي تم التقاطها في معرض تتبع مصدر الرسالة بموجب الفقرة أ من هذه المادة ويعاقب الموظف الذي يقوم بنشر او اشاعة مضمون تلك الرسائل بالعقوبات المقررة قانونا".
وكذلك المادة 76 من ذات القانون بحيث يعاقب الشخص من شهر الى ستة شهور و/او 200 دينار.
3. ان يكون هنالك مصلحة مباشرة مرجوة من اعتراض المراسلات، بحيث لا يجوز اعتراض مراسلات اي شخص بأمر قضائي فقط ودون ضوابط اخرى، وانما يجب ان يرتبط هذا الامر القضائي بوجود حاجة ملحة وفائدة ومصلحة مرجوة من هذا الامر، وان تكون البينة الممكن انتاجها من هذا الاعتراض بينة منتجة في القضية المنظورة او المسألة الامنية الجاري مراقبتها ومثال ذلك محاولة اعتراض مراسلات هاتف ارهابي معروف يشتبه بتخطيطه لتفجير وشيك مثلا، او شخص يتم التحقيق باشتباه ضلوعه في عصابة متفرقة جغرافيا تنقل المخدرات بالترانزيت من دولة لاخرى مرورا بالاردن مثلا، فهنا نلاحظ ان هنالك مصلحة مباشرة مرجوة وممكنة من هذا الاعتراض، فامكانية ان يتم فك لغز عصابة مخدرات ذات صبغة عابرة للدول امر مسوغ قانونا لاستصدار امر قضائي باعتراض المراسلات والمصلحة الممكنة من الأمر واضحة جدا، وكذلك الأمر بالنسبة لشخص ارهابي مثلا وغيره من الأمثلة على المصلحة.
اما اذا كان امر الاعتراض عبثي وانتفى به احد الاركان فأن من قام به سيعرض نفسه لعقوبات مسلكية تصل لانهاء الخدمات.
هل يجوز اعتراض مراسلات الواتساب اذا تحققت الشروط اعلاه؟
في الحقيقة ان التطبيق ذاته يعمل بطريقة مشفرة (end-to-end encryption)، بحيث لا يمكن لمقدمي خدمة واتساب اعتراض الرسائل بصفة عامة، ولكن اذا تقدمت الجهات الحكومية المختصة بطلب حسب الاصول، وان يتم توضيح المصلحة المرجوة واضافة على كل ذلك يجب ان يرتبط كل ما سبق بأمر قضائي كما وضحنا مسبقا، وهذه الشروط العامة للتمكن من اعتراض الرسائل والصور على تطبيق واتساب والامر يسري بطبيعة الحال على كل وسائل التواصل الاجتماعي الاخرى فيسبوك انستجرام ماسنجر الخ...
الحالة الاخرى تكون باستخراج نسخة بعد الحصول على الهاتف يدويا، فمثلا شخص قبض عليه بجريمة ما وبتفتيش هاتفه عثر على ادلة جرمية، يتم بناء على امر قضائي اخذ هاتف الجان او الجانح الى الجهات المختصة، ثم يتم اخذ المعلومات باستخدام جهاز يسمى (cellebrite)، وهذا الجهاز يستخدم من قبل اغلب الاجهزة الامنية في العالم، لسحب المستندات والمحادثات والملفات من على الهاتف بصورة مباشرة، اي بوجود الهاتف ووصله بالجهاز وليس عن بعد.
ويمكن للجهاز المذكور سحب اي بينة موجودة على الجهاز تقريبا حتى لو كان مقفلا برمز سري.
وهذا الى هنا كله عمل قانوني وضمن الاطار القانوني، لكن هنالك شركة اسرائيلية مختصة بقطاع الامن السيبراني، انتجت تطبيقا اسمه بيغاسوس (Pegasus)، وهذا التطبيق يتم استخدامه عادة من مخابرات الدول، إلا أنه غير مستخدم في الأردن، وهو ليس بحاجة لأمر قضائي او أي شيء اخر يكفي رقم الهاتف او الأي بي ادريس الموصول عليه الجهاز، فقد كان في بدايته يخترق الهاتف عن طريق ارسال رابط وهمي وبمجرد الضغط عليه يتم اختراق الجهاز بشكل تام والوصول لكافة البيانات الموجودة عليه بما فيه الكاميرا والميكروفون والارقام والمحادثات وغيره.
اما الان فقد تطور التطبيق واصبح لا يحتاج لأرسال رابط، فقط معرفة رقم الهاتف او الاي بي ادريس ويتم اختراق الهاتف ببساطة ومراقبته وكأنه ما بين يديك.
لكن هذا الامر غير معترف باستخدامه في الأردن لكونه غير قانوني اولا، ولكونه مكلف جدا على الخزينة حيث تتجاوز كلفته المليون والنصف دولار والهدف من ذكره توضيح الانتهاك الصارخ الذي قد يشكله هذا التطبيق لكافة القوانين والانظمة والاتفاقيات الدولية، فذكره جاء لتوضيح مدى هشاشة الخصوصية التي نواجهها اليوم في مراسلاتنا.