تفقد واطّلع صاحب السمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني ولي العهد، عصر يوم أمس المسجد الحسيني في وسط البلد، واستمع لشرح موسّع عن مشروع إعادة تأهيل المسجد الذي أنجز تنفيذاً لتوجيهات جلالة الملك عبدالله الثاني.
نعم الحسين بن عبدالله الثاني، يعطي اهتماماً كبيراً لمنارة علم، ورباط من أربطة أرض الأردن، هذا المسجد الذي أسس في صدر العصور الإسلامية المبكرة، يبنغي أن يكون درة المساجد الأردنية، والهاشميون أليق الناس اهتماماً واكثرهم حباً باعمار بيوت الله، وهي صلة موصولة مع تاريخهم السلالي الشريف ورعايتهم للمقدسات.
ليست صدفة تارييخة أن يأمر جلالة الملك عبدالله الثاني باعمار مسجد شيده جده الملك المؤسس عبدالله الأول، وليست زيارة برتوكولية في جدول أعمال ولي العهد، بل هي وعيٌ وإدارك لمعاني كبيرة في سيرة الأردن والمبارك، الذي شرّفه الله بحكم الهاشميين واصطفاهم له.
نعم الأردن الذي يطوي مئويته الأولى، كأنه ضمنياً يبدأ الاحتفال بحدث مبارك على الأرض لينتفع من الناس، ويذكر به اسم الله، في بيت من بيوته المباركة، التي أولاها الهاشيمون جلّ الاهتمام.
ليس الجامع الحسيني، بناء يخصّ الأردنيين وحدهم، بل هو مسجد العاصمة والمقر الكبير والنسب العالي، وقد زاره الشريف وملك العرب والحجاز وأمير المؤمنيين الحسين بن علي يوم زار عمان عام 1924 وبويع له بالخلافة.
فالترميم لهذا المسجد هو احترام للتراث والتاريخ، وقيمة مضافة جديدة، لتاريخ الدولة الأردنية، حيث تم تجهيز الجامع بمنبر ومحراب جديدين، وواجهات خشبية مزخرفة، وتغطية أعمدة المسجد بالفسيفساء المقطعة يدوياً.
وفي سياق الزيارة، لم يغفل ولي العهد، عن عودة سماحة كبير الواعظين، العارف بالله قطب الاقطاب الشيخ احمد بن مصطفى الخضري، أحد ابرز الدعاة والمشايخ من ذوي البركة في بلاد الشام قاطبة والأردن بخاصة، فهو وإن كانت الشام آرومته، إلا أنه تجليه وكشفه وبركته كانت في عمان وفي تعليم الناس ووعظم.
نعم كان مشهد ولي العهد، وهو يطلب البركة والدعاء من سماحته، مشهداً هاشمياً مليئاً بالتواضع، عالياً سامقاً في معاني تقدير العلماء، من أهل الصلاح، ولعمرهم الهاشميون ما فتئوا يكرمون أهل العلم. ولم يكونوا أهل إمارة وحسب. بل هم دعاة وأهل رأي، وفي هذا يؤكدون اقتران العلم بالحكم، فيقدرون العلماء الأجلاء الراسخين بالعلم، وفي سبيل ذلك كانت مؤسسة آل البيت للفكر الإسلامي التي يرعاها جلالة الملك مباشرة ويتابع دقائق عملها سمو الأمير غازي بن محمد.
وبهذا النهج، نهج تقدير العلماء، تخطت الأمة محنها، ألم يكن القاضي الفاضل على يمين السلطان المجاهد صلاح الدين الايوبي، وهو كاتبه ووزيره؟ ألم يكن مشروع الاحياء السني قبل ذلك مبادرة وعملا كبيرا من الوزير نظام الملك مع السلطان ألب أرسلان، وبذلك المشروع أحيت الأمة واستعيدت القدس من أيدي الاحتلال.
ختاماً، نحن مع أن يكون الجامع الحسيني، مدرسة فكرية، تعكس نهج الهاشميين ورسالتهم، وان تعقد به الدروس الدينية وتُبث للناس ولو مرة كل اسبوع، وأن يُحاضر به كبار مفكري الأمة، فيعمر المسجد بالقراء والفقهاء، وبذلك نعيد لهذا المعلم البارز ليس المنبر وحسب، بل نرده لزمن الإحياء الهاشمي، زمن الحسين بن علي وانجالة الكبار ممن نهضوا من الحجاز الشريف في سبيل الأمة وإيقاظ همتها وشحذها للتحرر من الاستبداد، وهو زمن متصل مع مسيرة الأردن الدولة، والأردن المشروع النهضوي، الذي أجار الناس وفتح أبوابه لهم دار حرية وعدالة.
الدستور