كلمة وفاء لفقيد الأردن مهنّا الدرة
حسن ابو نعمة
26-01-2021 08:20 PM
رحل عنّا هذا الأسبوع عَلَمٌ بارز من أعلام الفن، المرحوم مهنّا الدرّة، تاركاً حزناً عميقاً وأسى كبيراً في نفوس أسرته وأهله والملايين من أصدقائه ومحبيه، ليس فقط في بلده الذي أحبّه الأردن، وليس في الوطن العربي، بل وفي كل أرجاء العالم.
يُعرًّف مهنّا على أنه فنان تشكيلي، وهو كذلك. فهو بالفعل فنان موهوب. وقد صقل موهبته في أرقى معاهد الفن في إيطاليا. وعاد لعمّان في مطلع ستينات القرن الماضي وبدأ في تقديم أعمال فنيّة غاية في الإبداع والروعة؛ بحيث لم يًطٌل الوقت قبل أن تحظى أعماله بإعجاب واسع وتقدير كبير.
لم يكن الفن بالنسبة لمهنّا سبيلاً للكسب، بل كان تعبيراً أصيلاً عمّا كان يجول في وجدانه من طاقات الإبداع. ولم يكن يتردد في تقديم لوحاته الرائعة دون مقابل لأصدقائه وزوّاره من المعجبين في الاستوديو الذي استأجره في تلك الفترة في جبل اللويبدة؛ ذلك الاستوديو الذي ما لبث أن تحوّل إلى ملتقى للفنانين والأدباء والكتّاب والمفكرين. وفي مرحلة تالية كرّس مهنّا جزءاً من وقته لتعليم هواة الفن في ذات الاستوديو دون أي مقابل أيضا.
لقي مهنّا في تلك الفترة رعاية خاصة من صديق عمره المغفور له الشريف عبدالحميد شرف، إذ كان آنذاك مديراً للإذاعة، وكنت بمعيته في القسم السياسي.
كان الشريف مهتماً بالحركة الثقافية والمسرحية والفنّية، إضافة لاهتماماته السياسية والوطنية الأخرى. وقد رأى مهنّا كذخيرة وطنية ثقافية غنية لا يجوز التغاضي عن استثمارها ففعل.
قد لا نفي مهنّا حقه بالتركيز على إبداعاته وأعماله الفنّية فقط.
لقد التقيت مع مهنّا منذ العام 1964 وربطتنا صداقة وعلاقة وثيقة متواصلة منذ ذلك الحين؛ من خلال العلاقة، وزمالة الدراسة مع الشريف عبدالحميد شرف طيب الله ثراه. وكنا مع زميل الدراسة الآخر الصديق العزيز حسان منكو واخرين، لم ننقطع عن اللقاء عن مهنّا يومياً، في ذلك الاستوديو في جبل اللويبدة أو في لقاءات أخرى.
من خلال هذه العلاقة عرفت في مهنّا صفات مميزة أخرى فوق موهبته الفنّية. كان ذو ثقافة عالية واطلاع واسع واتزان مشهود، وفكر نيّر وتحليل وتشخيص رصين لكافة الأمور.
فوق ذلك كان طيب القلب، مُحب، غاية في الكياسة واللطف، كريم الخلق، ولا أظن أنّه في حياته اختلف مع إنسان أو أساء لإنسان أو تمنى شراً لإنسان، أو تلفظ بكلمة غير لائقة بحق أي إنسان. لذلك حظي مهنا باحترام وتقدير ومحبة الجميع بلا استثناء.
ولم يكن مهنّا أقل إبداعاً في المسائل السياسية، إذ كان يتمتع بحس سياسي عميق ودقيق وإن بصمتٍ ووقار. فقد أبلى بلاءً حسناً كسفير لجامعة الدول العربية في روما ثم في موسكو.
يمضي مهنّا تاركاً إرثاً غنيا وكبيراً سيخلد ذكراه، وسيعزز ما يشعر به أهله ومحبيه من فخرٍ بسيرته العطرة، وأعماله الجليلة وإبداعاته التي ينحني العالم بأسره احتراماً لها كونها تضعه في مصاف أعظم فناني العالم قديماً وحديثاً. فقد رحبت عواصم كبيرة بمعارض للوحاته المشهورة ونالت تقدير الملايين. نعم يرحل مهنّا وتبقى سيرته حيّة في قلوب الملايين من محبيه.
وهذه هي إرادة الله وسنة الحياة