حضارة العلم والعمل مقابل ثقافة طق الحنك!
باتر محمد وردم
22-04-2010 03:35 AM
طغى موضوع السحابة البركانية التي غطت سماء النصف الشمالي من الكرة الأرضية وعطلت حركة الطيران العالمية على معظم النقاشات العامة في كافة أنحاء العالم. في الأردن والوطن العربي قرأنا الكثير من المقالات واستمعنا إلى الكثير من السواليف التي تتحدث عن "هشاشة الحضارة الغربية" والضرر الذي أوقعته الطبيعة بها ، وكان واضحا أن هذه المقالات والسواليف تتضمن الكثير من عناصر التشفي والرغبة في وجود المزيد من المصاعب ولإثبات أن الحضارة التي تبنى على المادة والتكنولوجيا ضعيفة مقارنة بالحضارات التي تبنى على "الأخلاق والثقافة".
ما غاب عن أذهان هؤلاء المتشفين بالحضارة الغربية حقيقة أن هذه المشكلة بالذات لو وقعت في نصف الكرة الجنوبي ومنه العالم العربي والإسلامي لكانت نتائجها أكثر كارثية واستمرارا على المدى الطويل بسبب ضعف البنية التحتية والتنسيق الجماعي والتكنولوجيا.
ان الاستجابة التي حدثت في أوروبا والولايات المتحدة وغيرهما من الدول لهذا التحدي كانت مذهلة بكافة المقاييس وأثبتت أن الحضارة التي تبنى على العلم والعمل هي وحدها القادرة على الصمود في وجه الكوارث الطبيعية ، وهو مثال يرسخ المقارنة ما بين رد فعل كل من تشيلي وهاييتي على الهزات الأرضية التي تعرضت لها.
توقف الرحلات الجوية في أوروبا والولايات المتحدة كان كارثة دفعت بمئات الآلاف إلى العراء وتأجيل أعمالهم اليومية ولكن الاستجابة السريعة جعلت المطارات وشركات الطيران قادرة وبسرعة تثير الإعجاب على تامين الحد الأدنى من وسائل النوم وقضاء الحاجات الاساسية للمسافرين المنتظرين وبطريقة تضمن تجاوز البيروقراطية وعدم حساب الخسائر المالية الفورية وكذلك حشد أكبر قوة من الموارد البشرية والتكنولوجية. وفي مسار مواز ، كانت الشبكة الهائلة من النقل البري العام مصدرا لإنقاذ عشرات الآلاف من المسافرين الذين انتقلوا من الدول وعبرها بواسطة القطارات والباصات والسيارات المستأجرة وبشكل سلس تقريبا وبدون حواجز خاصة في الاتحاد الأوروبي وهو أمر من المستحيل التفكير بحدوثه في بلدان العالم الثالث ومنها دولنا العربية والإسلامية.
ليست المسألة الفارق ما بين حضارة مادية وحضارة أخلاقية بل الفارق الهائل ما بين الاعتماد على العمل الدؤوب والعلم الحديث وما بين طق الحنك الذي لا يحقق اية نتيجة. الاستجابة الأوروبية والأميركية لهذه الكارثة الاقتصادية اثبتت مدى نجاح البنية التحتية السياسية والتكنولوجية والاقتصادية في توفير البدائل السريعة وما حدث هو في الواقع قصة نجاح وليست قصة فشل لأن الطبيعة فرضت تحديا ولكن الإنسان المجتهد والمتعلم وصاحب الالتزام تمكن من تجاوز هذا التحدي.
الكثير من المؤسسات البحثية وشركات الطيران في الولايات المتحدة وأوروبا بدأت فورا بتقييم التداعيات العلمية والتكنولوجية لهذه المشكلة وكيفية التعامل معها في المستقبل سواء بتغيير بعض أنظمة صناعة الطائرات وأنظمة الملاحة للتكيف مع تأثيرات مشابهة ومن المؤكد أن كافة الدروس المستقاة والمستفادة من هذه التجربة سوف تدفع نحو تعديلات تقنية وإدارية في المستقبل وتطوير خطط الطوارئ ، والأمل يبقى قائما بأن تكون هنالك على الأقل متابعة وإدراك من قبل الشركات والدول العربية لتداعيات هذه الأزمة والاستفادة منها وعدم الاكتفاء بطق الحنك والتشفي ونشر المواعظ حول هشاشة الحضارة الغربية لأن الواقع هو أن تكامل العمل والعلم تمكن من التعامل بشكل إيجابي ومحكم مع هذا التحدي الكبير ولا بد من الإقرار بهذا الواقع.
batirw@yahoo.com
الدستور