من اسرار حرب 1948 ومن صور البطولة للجيش
أ.د. سعد ابو دية
22-04-2010 02:16 AM
أتصل معي ذات يوم العقيد المتقاعد عبدالله البيطار(رحمه الله) الذي شارك في معارك الرادار وغيرها في القدس، كان قد قرأ ماكتبته عن مخطوط ارشيد مرشود الذي تحدث عن معارك الرادار بين الجيش العربي والاسرائيليين في حرب عام 1948م.
الجديد في رواية عبدالله:
لاحظت ان عبدالله البيطار يلفت الانتباه لناحية هامة جدا ترتبط بسلاح المدفعية واستخدامه أو عدم استخدامه في معارك الضفة الغربية فالضباط الأنجليز في البداية كانوا من أنصار فكرة عدم الزج بسلاح المدفعية وعدم ارساله لفلسطين، وكانت الأمور تتجه على ذلك الأساس بحيث يحارب الأردنيون دون مدفعية!!
احتحاجات الأردنيين:
احتج العسكريون الأردنيون على عدم إرسال المدفعية ومنهم الضابط (محمد المعايطة) وقد كانت رغبة الأردنيين ان يقاتلوا بسلاح المدفعية ولكن إذا لم يتوفر فإنهم سيقاتلون بسلاح عادي لو اقتضى الأمر.هكذا وضع الأردنيون الانجليز تحت الأمر الواقع.
الأنجليز يجدون مخرجاً:
وأمام ضغط العسكريين الأردنيين وجد الانجليز مخرجاً ان يذهب سلاح المدفعية لفلسطين لكن لأغراض دفاعية فقط، يعني ان يذهبوا بالسلاح فاذا اضطروا للدفاع استخدموه. وعلى ما يبدو انهم لم يعلموا الأردنيين بذلك. كانت خطة الانجليز منذ البداية
تدريب الأردنيين:
ذكر عبدالله البيطار ان الانجليز على ما يبدو احتاطوا للامر ودربوا الأردنيين تدريبا جيدا منذ مطلع الاربعينات ولم يبخلوا عليهم في دورات في مصر وبريطانيا ولعل حاجتهم الى الأردنيين اقتضت ذلك لكن الملفت للانتباه انهم استمروا في التدريب بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ومع مطلع عام 1947م طوروا سلاح المدفعية وزودوا الاردنيين بمدفعية بوزن (25) رطلا ووصل الاردن 16 مدفعا. ارسل الانجليز مدربين انجليز للتدريب وقام عبدالله بالترجمة للمدربين الذين يدربون الجنود وتولى عامر خماش التدريب للضباط.
هذا يكشف لك ان الانجليز دربوا الأردنيين ولكن تركوا الخيار جاهزا وركزوا على الاغراض الدفاعية في البداية او ارادوا عدم التفريط بالسلاح الا بالضرورة وضبط اندفاع الاردنيين لاي عمل هجومي. هذه هي استراتيجية الانجليز في البداية.
سلاح المدفعية في فلسطين: على العموم فان ضغط العسكريين اسفر عن دخول سلاح المدفعية الى فلسطين وكان العقيد عبدالله البيطار قائد فئة ومعه اربعة مدافع وكان بامرة ضابط نقيب انجليزي، ذهبوا الى طولكرم وعسكروا تحت الاشجار بانتظار قدوم العراقيين حتى يحلوا محلهم ويتوجهوا للقدس.
حديث هاشم الجيوسي يكشف:
وجهة نظر الانجليز
قدم النقيب الانجليزي لعبدالله خارطة وقال له انظر اذا جاء الاسرائيليون الى هنا حتى يهاجموك اضربهم بقوة (استخدام قبضة يده للتعبير)... لم يفهم عبدالله في البداية ان هذا يعني ان عليه ان يدافع فقط اذا تعرض لهجوم اسرائيلي. وبعد ان قابل هاشم الجيوسي رئيس البلدية ومشى معه حتى الخضيرة لاحظ ان المدفعية من مكانها الذي هو فيه لا تصل الى الاسرائيليين.. وهنا فقط عرف ان الانجليزي كان يعلم ما يقول وانه طلب منه الدفاع اذا تعرض للهجوم ولكن ليس بوسعه ان يقاتل بالمدفعية لان مداها يقل عن اصابة الخصم.. وهنا فقط حلل عبارة النقيب الانجليزي اذا وصل الاسرائيليون الى هنا اضربهم بقوة!!ولا شك ان هذا سيغضب العسكريين الاردنيين فهل يقبلون ام يتعرضون للضغط مرة ثانية على الانجليز لاستخدام المدفعية.
الجنود يضربون عن الطعام:
اضرب الجنود الاردنيون عن الطعام عندما علموا انهم لن يشتركوا في الحرب وان دورهم دفاعي اذا هوجموا.. ولكن عبدالله طمأنهم ان رأيه من رأيهم وهنا اكلوا واستغرب النقيب الانجليزي كيف تم ذلك واخبره عبدالله بما قال للجنود.ولعل النقيب الانجليزي استأذن قائد الفرقة في بير زيت وامر بالذهاب الى القدس وتم وضع المدافع في بيت حنينا... ثم ذهبوا لباب العمود للرمي على الاسرائيليين في القدس... استشهد قادة السرايا عن يمينه وشماله في عملية الرماية من الرمي الاسرائيلي المضاد
.معارك الرادار
ومن القدس ذهب الى الرادار، واشترك في قصف مستعمرة الخمس لتغطية هجوم المناضلين من شرقي الاردن، لقد تم قصف الهدف لتغطية وصول المناضلين لها وضرب قنابل دخان حتى وصل المناضلون الى الهدف.رد الاسرائيليون بقصف مضاد لكن في تلك المعارك اثبتت المدفعية وجودها وازعجت الخصم وحققت شهرة في الحرب.
الهدنة ومنع استخدام المدفعية:
جاءت التعليمات بمنع رماية المدفعية الا بأوامر القيادة ولكن لانه (عبدالله) كان ضابط ملاحظة فانه ذات مرة اعطى اوامر رمي بالمدفعية على الاهداف المعادية في القدس، ولذلك تم تشكيل محكمة له عند قائد الكتيبة (الانجليزي)....تصادم معه وعزله من منصبه ثم اعاده وكان اول ضابط يأخذ وسام الشجاعة من الملك عبدالله.انتهت الحرب وعاد لعمان ودخل ضباط الجيش في السياسة.
الضباط الاحرار:
لم يدخل في حركة الضباط الاحرار عندما وقعت في وسط الخمسينات ونقله علي ابو نوار بعد ان استلم رئاسة الاركان الى العقبة وبعد ترك علي عاد الى المدفعية ثانية وبالرغم من انه لم يشترك في حركة الضباط الاحرار فانه لم يسلم من عدم الاستقرار في الخمسينات الاخيرة والتي طالته ايضا.
ملاحظة:
كل ما سبق ملخص ما ذكره لي عبدالله البيطار عن دور سلاح المدفعية في حرب عام 1948م وكيف خاض الاردنيون معركة ضغط على الانجليز حتى يشاركوا في الحرب بالمدفعية وكيف تدرج الضغط على الانجليز، وهناك ملاحظات أخرى من أبناء اسر ضباط وعسكريين سيتم الحديث عنهم إنشاء الله في مرات قادمة.
ملاحظة أخيرة :
هل رأيت أيها القارئ العزيز هذه الوطنية المميزة ألا تستحق منا أكثر من مقال قد ننساه بعد أيام ألا يستحق أولئك الأبطال آن نقرأ الآن الفاتحة على أرواحهم الطاهرة وان نتذكر هذه المآثر دائما