facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




الاردن .. مائة عام .. احداث سياسية ونهضة محلية


رائد اسماعيل النسور
24-01-2021 08:52 AM

واجهت الدولة الاردنية الهاشمية في بداياتها وحتى اليوم بالكثير من التحديات والمؤامرات حالها كحال اي دولة فتيه طامحة لترسيخ نفسها ومفاهيمها ومبادئها ، الا ان هذه التحديات لم تقف حاجزاً امام الانجازات التي شهدها الاردن بل منها كان سبباً رئيسياً من دفع عجلة التنمية والتطوير والبناء.

فقد بدأت الدولة الاردنية والتي تعد الوريث الرئيسي للثورة العربية التي اندلعت ابان الحكم العثماني وسلطويته على الشعوب في المنطقة العربية ، فتم تأسيس إمارة شرق الاردن في عام 1921 التي اصبحت فيما بعد المملكة الاردنية الهاشمية.

استطاعت الاردن ان تصبح لاعب محوري على مستوى الاقليم ومؤثرا تأثيرا مباشرا في القضايا السياسية على وجه الخصوص مستثمره في ذلك موقعها الجغرافي المميز وايضا قوتها في سياستها الخارجية التي بنيت على الصدق والوسطية والواقعية والداعية الى السلام الدولي وعلى التشبيك الايجابي مع المجتمع الدولي.

كأي دولة .. الاردن واجه تحديات كبيرة ابتدأت من التأسيس فكان الهدف للقيادة الاردنية هو توحيد العرب وجعلهم قوة دولية بمختلف المجالات الاقتصادية والعسكرية والسياسية ، وهذا الامر انتبهت له القوة الدولية وعلى راسهم فرنسا وبريطانيا وكان التقسيم والانتداب في المنطقة كاملة ، وكانت الاردن تحت الانتداب البريطاني آنذاك لغاية اعلان الاستقلال في عام 1946 وبقيت قيادة الجيش العربي الاردني تحت القيادة البريطانية وبرئاسة كلوب باشا.

الاردن الذي كان رافضا للتقسيم في فلسطين وللحركات الاستيطانية اليهودية وفي حالة تصادم واشتباك شبة دائم مع الحركة الصهيونية وداعميها ، كما استطاع الاردن ان يكون جزء من تأسيس جامعة الدول العربية وصياغة ميثاقه ، وكان ايضا يعمل بالداخل الاردني لتطوير بنيته التحتية من انشاء مدارس اساسية ومنشآت صحية وغيرها من الشؤون الخدمية والتنموية بالرغم من الشح الكبير في موازنتها.

الى ان دخل الاردن مع القوات العربية المشتركة في حرب 1948 التي كانت بداية النكسة العربية وخسرت فيها العرب جزء كبير من فلسطين المحتلة والتي كانت الدول الغربية داعمه لها ولاحتلالها لهذه الاراضي التي تقام عليها بما يسمى الدولة الاسرائيلية ، فكانت اسباب عديدة في خسارة هذه الحرب التي ادى فيها الجيش العربي الاردني دوراً بطولياً ، الا ان التفوق الاسرائيلي على الجيوش العربية في العتاد والاسلحة الثقيلة كان هو الفيصل في حسم الحرب لصالح الجانب الاسرائيلي.

وبعد حرب 1948 الذي شكلت تحولا في العلاقات العربية العربية وايضا في الداخل الاردني سبب العديد من الاشكاليات ، فلم يكن العلم منتشر في الاردن وكانت نسبة الامية عالية والمدارس الثانوية عبارة ثلاثة مدارس ولم يكن هناك جامعة للتعليم العالي ولا اذاعة وتلفزيون للدولة الاردنية ، استقبل الاردن موجه كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين الذين نزحوا بسبب الحرب وتضاعف عدد سكان الاردن وبقيت الموازنة العامة كما هي والمساعدات الاغاثية للاجئين لم تسد الجزء الكبير من الالتزامات المالية التي قد تضاعفت على الدولة الاردنية والتي لم توقف الاردن من مسؤوليتها الانسانية اتجاه الاشقاء في فلسطين المحتلة او للذين نزحوا للأردن.

كان المغفور له الملك عبدالله الاول يحمل مشروع سوريا العظمى الا ان المشروع لم يكتب له النجاح وفي عام 1950 كان نجاح وحدة الضفتين ، واستشهد المغفور له الملك عبدالله الاول في القدس عام 1951 عندما كان زائرا للقدس ، وتسبب استشهاده في ازمة سياسية فيما يخلفه بالحكم فالأمير طلال والذي توج ملكاً عقبها للملكة الاردنية الهاشمية كان يعاني من مرض عضال ولم يكن موجوداً في الاردن بل كان ذاهباً للعلاج وانقسم السياسيين الى اكثر من رأي حيث ان مرض المغفور له الملك طلال لم يمكنه من الاستمرار في حكمه ، ولكن تم اتخاذ قرار بان يكون الملك طلال بن عبدالله الاول هو ملك الاردن الذي لم يدوم حكمة الى اكثر من عام وحصل خلال حكمه تطور كبير على الدستور الاردني وتطور في العلاقات مع السعودية ومصر على وجه الخصوص.

عام 1952 تم عزل الملك طلال عن حكمه واستلام الملك الراحل الحسين بن طلال سلطاته الدستورية وابتداء مرحلة جديدة لبناء الاردن الحديث ، فلم تكن الطريق ممهده امام الحسين بل كانت الاكثر صعوبة في تلاطم الامواج الداخلية والخارجية ، فحركة الضباط الاحرار في مصر اطاحت بنظام المملكة فيها والتي امتدت الى الاردن بعض شظاياها فكانت حركة الضباط الاحرار تتأسس في الاردن وهنا الهدف يختلف ، في الاردن لم تكن الحركة الهدف منها الاطاحة بالنظام الملكي بل كان هدفها الاطاحة بقياده الجيش البريطانية التي لم تنصف الضباط الاردنيين في القيادات العليا للجيش فكانت كافة القيادات فيه للضباط البريطانيين ، وهنا الملك الحسين لم يكن في غفله عن ذلك ومع السنين ولأجل ذلك ولأجل عروبة الجيش اتخذ قراره القيادي الجريء بتعريب قيادة الجيش وطرد كلوب باشا والضباط البريطانيين وتسليم قيادة الجيش الى القادة الاردنيين ، الا ان كان لجمال عبدالناصر وغيره مطامع في الاردن وانهاء الحكم الملكي في الاردن فكان لمجموعة من الضباط (وهم قلة قليلة ) انتماءات ناصرية حاولوا بمحاولة فاشلة الانقلاب على نظام الحكم الا ان هربوا مجموعة منهم الى سوريا ومصر ، فلم يكن الحسين والنظام الهاشمي مكروه او غير مرغوب به لدى الاردنيين والجيش الذي بايعوا النظام الهاشمي منذ وصوله الى الاردن والنظام الهاشمي لم يتعامل مع الاردنيين الا وفق احكام الدستور ومواده ولم يكن دموي او سلطوي ، فلهذا لم تأخذ هذه المحاولة اي تأييد شعبي او سياسي او حتى عسكري بل انتقدها واستنكرها مختلف اطياف ومكونات الشعب الاردني ، ومع ذلك فقد تم اصدار عفو ملكي عن جميع من قاموا بهذه المحاولة البائسة وعادوا الى الاردن ومنهم من استلم مناصب قيادية بعد ذلك .
فكان هذا التحدي الذي واجه الاردن هو بمثابة تعزيز وتوثيق العلاقة ما بين نظام الحكم وما بين الشعب الاردني وترسيخ مبدأ دولة المؤسسات ، وايضا اظهار النوايا التي يكنها جمال عبدالناصر وغيره للملك الحسين بن طلال ، فاخذ عبدالناصر مهاجمة الحسين من خلال اذاعة العرب في العديد من المناسب ويحرك الشارع الاردني ضد الملك الحسين وحكومته آنذاك ومع ذلك لم تتوقف الدولة الاردنية الهاشمية في بناء ذاتها ومؤسساتها ودفاعها عن قضايا الامة العربية ، فكانت تجرى الانتخابات النيابية في موعدها وتشكل الحكومات التي لم تخلو آنذاك في توافق عربي فقد كانت الايدولوجيات الحزبية في الاردن مرتبطة بشكل رئيسي وعلنية في بعضها بأيدولوجيات خارجية.

فالملك الحسين اصبح اكثر حنكة وصلابة وقوة فاخذ يطور الدولة من خلال تقاربه من المخلصين للوطن والطامحين بخدمته ونهضته فاخذوا مواقع قيادية ورئيسية في الدولة منها رئاسة الوزراء والحقائب الوزارية وقيادة الجيش وغيرها ، فجاءة فكرة انشاء الجامعة الاردنية لتوطين الدراسة والتوسع اكثر في العلم وتأسيس المؤسسات ومنها مؤسسة الاذاعة والتلفزيون والخدمات الطبية العسكرية وتطوير الجيش والاجهزة الامنية والقطاع الصحي .
وكانت الاردن بشكل دائم بمواجهة مع العدو الصهيوني الى ان دخل الاردن في حرب 1967 التي لم ترغب الاردن في دخولها بسبب معرفتها بنتيجتها مسبقاً فكان التفوق العسكري للعدو الصهيوني واضح وكانت القوات المصرية متواجدة باليمن والجيش الاردني بدون غطاء جوي الا من الجانب المصري ، ومع ذلك وافق الاردن على دخول الحرب الذي عارض الدخول فيها غالبية القيادة السياسيين والعسكرين في الاردن الا ان الملك الحسين كان رأيه بان يدخل الحرب بالرغم من معرفته بالخسارة مسبقاً ولكن لا يريد تسجيل في سجل الاردن انه قد تخاذل في دخول الحرب وان تكون الاردن السبب في الخسارة ، ودخل فعلا الاردن الحرب وقاد الجيش الاردني قيادة مصرية وتم تدمير القوة الجوية المصرية خلال ساعتين ولم تدخل الحرب وتم خسارة الضفة الغربية والقدس وسيناء والجولان في هذه الحرب التي بقى الجيش الاردني بدون غطاء جوي فيها وبخطة مصرية لم تحاكي الواقع وكانت هزيمة وخيمة للجيوش العربية التي اصر عبد الناصر آنذاك على خوض هذه الحرب بدون حسابات دقيقة وعدم الاكتراث لعواقبها التي مازال الوطن العربي يعانيه ليومنا هذا.

لم تنتهي التحديات الاردني الى هذا الحد بل ازدادت فظهرت قوة شعبية تحريرية تحت مسمى الفدائيين بعد حرب 1967 مباشرة ، الاردن بدوره كان ومازال يدعم اي جهد تحريري فقام باحتضان هذه الفئات المتنوعة ودعمها وتدريبها لعمل فدائي بالداخل الفلسطيني الامر الذي كان مقلقاً للجانب الصهيوني ، فكان هذا الامر هو جزء من اهداف معركة الكرامة التي اندلعت بعد اشهر من حرب 67 والتي تطمح لاحتلال جبال السلط ونسف العمل الفدائي والتوسع الصهيوني الجغرافي فالعرب في حالة انكسار وانهزام ، واعتقد الإسرائيليين بان الجيش الاردني ما زالوا يضمدوا جراحهم ولم يقوموا بإعادة بناء ذاتهم ، الا ان كان الامر مختلفاً فقد علمت الاردن من خلال استخباراتها بان هناك حشد للقوات الصهيونية على الضفة الغربية وهي في حالة تأهب فقد طلبت من الفصائل الفدائية الابتعاد عن الواجهة لان هذه المعركة ستكون معركة جيوش منظمة وليست معركة او حرب شوارع ، وبالفعل هناك من استجاب من الفدائيين وخاصة القيادات بالابتعاد من ساحة المعركة التي وقعت عام 1968 في منطقة الكرامة وخسر فيها الجيش الصهيوني شر خسارة من الجيش العربي الاردني حيث العديد من خسائر الدبابات والطائرات وافراد الجيش الصهيوني الا ان طلب وقف اطلاق النار ، فالملك الحسين آنذاك الذي لم يوافق على هذا الطلب الا بعد انسحاب كافة الجنود والقوات الصهيونية وتم اعلان النصر للجيش العربي الاردني وبذلك يكون الاردن اول الجيوش العربية التي استطاعت هزيمة الجيش الصهيوني واستعادة كرامة وهيبة الامة العربية وتغير في معادلة التعامل مع الدول العربية بنظرة مختلفة وبثت هذه المعركة المعنوية لدى افراد الجيش الاردني والجيوش العربية المختلفة واستعادة الروح القتالية له.

ومع هذا النصر الاردني كان هناك توافد كبير من المتطوعين للعمل الفدائي بسبب هذا النصر ، الاردن الذي لم يغلق الباب امامهم بل حاول تنظيمهم وجعلهم قوة لا يستهان بها ورفيد للجيوش العربية في مواجهة الصهيونية ، وهنا يمكن القول بانه نحن امام خيارين لتحليل ما حصل لاحقاً:

-إما ان يكون دخول لمتطوعين وهم لتفكيك العمل الفدائي واخراجه عن مساره من جهات مختلفة.

-اما ان يكون اصبح تحول في اولويات العمل الفدائي ورغبته في السلطة السياسية بعمان بدعم خارجي.

وبكلتا الحالتين هناك من يدعم ذلك لأجل اغراض سياسية وهي اسقاط الدولة الاردنية ، فتطور العمل الفدائي واصبح هناك مجموعة فصائل منها جبهة التحرير وحركة فتح والصاعقة وغيرها ولكل منها انتماء خارجي وتمويل يختلف كل واحدة عن الاخرى ، الاردن الراغب في توحيد جهودهم وان تكون قيادتهم واحدة ، اصبح يعاني معهم ويعرقلون مسيرة الاردن لابل اصبحوا ينشون الفوضى بالأردن ويتحكمون بكل شيء حتى بالقضاء الشرعي والمدني وسلب رواتب العسكرين واختطاف والمدنيين وضربهم واغلاق الطرق وكأنهم عصابة مسلحة او دولة محتلة لدولة ، مستغلين في ذلك صبر الهاشمين والدعم العربي لهم وخاصة السوري والعراقي المصري ، فاخذوا يطلقوا بيانات وشعارات صدامية مع النظام السياسي الاردني ومكوناته ، الى ان اصبح الداخل الاردني بازدواجية السلطة الحاكمة وعلو الفدائيين على السلطة الحاكمة التي تريثت وصبرت كثيراً على هذه التصرفات التي اعتبرتها معادية لها وتجرد القضية الفلسطينية من وجودها وتزرع الانقسام في مواجهة العدو الرئيسي وهو الكيان الصهيوني ، وكل المفاوضات مع هذه الفصائل آنذاك لم تفيد بالغرض وهو التهدئة وعدم التعرض للسيادة الاردنية على اراضيه ومواجه الهدف الاسمى وهو تحرير فلسطين ، الا ان ذلك لم يكون ضمن اولويات الفصائل الفدائية بل ازدادت اعمال العنف لديهم في الداخل الاردني واحتدم الخلاف مع الجيش الاردني ، اثناء ذلك وفي مفاوضات من خلال الجامعة العربية التي ارسلت وفداً للتسوية ما بين الاردن والفصائل الفدائية برئاسة رئيس الوزراء التونسي ، فلم يكن هناك اي تجاوب من الفصائل بالخروج من العاصمة عمان التي احتلت تقريبا من قبلهم وفرض سيطرتهم واختطاف طائرات امريكية ودولية وانزالها في الصحراء الاردنية ، فالأردن لم يعد امامه خيارات سوأ فرض هيبة الدولة بكافة السبل ، فقد امر الحسين بتشكيل حكومة عسكرية برئاسة محمد داوود والطلب منها – تخويف الفصائل لانصياعهم لسيادة الدولة – الا ان ياسر عرفات ( الذي عرض عليه الملك الحسين سابقاً بتشكيل حكومة لتهدئه الموقف ) رفض التفاوض مع الحكومة الاردنية وكان شعار الفصائل في عمان آنذاك ( لا سلطة فوق سلطة الفصائل الفدائية ) وبالتالي اعتبرت الاردن ذلك عمل انقلابي على سيادة الدولة بدورها قامت بواجبها بفرض هيبة الدولة وكانت حرب ايلول التي اعادت السيادة الاردنية على الاردن والتي قامت سوريا فيها بدعم الفصائل الفدائية والدخول العسكري الى مدينة اربد والتصدي لها من خلال سلاح الجو الاردني ، وتم عقبها الطلب من الفدائيين الخروج من العاصمة عمان الى المناطق الخالية من السكان ليقوموا بواجبهم اتجاه القضية الفلسطينية ، وبعد خروجهم بمدة من الزمن تم انتقالهم الى دولة لبنان وحدث فيها ما حدث.

هنا لابد من التأكيد على ان الخلاف لم يكن بين الاردني والفلسطيني كما يسوق له من البعض بل هو خلاف ما بين قيادات الفصائل المسلحة لإسقاط الدولة الاردنية وتفتيتها ، فالشعب الاردني والفلسطيني لا يمكن فصلهما عن بعض للكثير من الاسباب فقربه الدم التي نشأت بينهم لا يمكن فصلها وايضا الشعور النفسي بخسارة الارض يشتركون فيه كما الجسد الواحد واحتضانهم لبعض في السراء والضراء لهو اكبر شاهد على عمق العلاقة الاخوية ما بين الاشقاء الاردنيين والفلسطينيين.

لم تنتهي التحديات بعد ولم يتوقف الاردن في بناء مؤسساته الاكثر متانه وصلابة بمشاركة شعبية وترسيخ مبادئ المواطنة ، فبالرغم من التحديات الخارجية والداخلية والمؤامرات التي تحاك على الاردن الا انه يمضي بثبات نحو بناء دولة مؤسسات نموذجية بموارد طبيعية محدودة وكانت فترة السبعينات الاكثر نموا وتطورا للاقتصاد الاردني بالرغم من كل المعيقات ، فاخذ العلم ينمو اكثر واكثر والقطاع الصحي يتطور بشكل ملحوظ والقوات العسكرية بعلاقة وثيقة مع المدنيين والنظام السياسي يعزز من شرعية وجودة ، فاصبح الهاشميين رمزاً خالداً في تاريخ الاردن المعاصر ومطلباً شعبياً المحافظة على وجودهم واستمراره ، فكل اشكال الفتنة لم تنسف العلاقة ما بين السلطة السياسية والشعب الاردني الى يومنا هذا الذي ازداد فيه النظام السياسي الاردني بقيادة الملك عبدالله الثاني متانه وصلابة واكثر قوة وانفتاح على المجتمع الدولي بكل مكوناته.

الاردن العربي الذي لم يخرج عن القرارات العربية وافق في اجتماع جامعة الدول العربية على قرارهم بان تكون السلطة الفلسطينية هي الممثل الشرعي عن القضية الفلسطينية وعن فلسطين ، من ثم وافق الاردن على قرار اخر لجامعة الدول العربية بفك الارتباط القانوني مع الضفة الغربية الامر الذي اضعف من قوة العرب والذي اعرب الملك الراحل عنه هو ضعف التنسيق مع السلطة الفلسطينية ورغبتهم في ذلك.

اثناء ذلك كانت الحرب العراقية الايرانية والاردن كما باقي الدول يدعم الشقيقة العراق في حربها ضد ايران دعم عسكري وسياسي واعلامي لما يقارب الست اعوام وانتهت الحرب عام 1987 ، ولربما كانت الحرب الوحيدة في العالم التي لم تنتهي بانتصار احد ، الا ان العراق اعلن عن انتصاره فيها ، وهذه الحرب التي كان لها انتكاسات ايضا على الداخل الاردني وعلاقة الاردن مع المجتمع الدولي فمازال النظام العالمي ثنائي القطبية ما بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الامريكية وحلفائهم.

في نهاية الثمانينيات اخذ الاقتصاد الاردني بالتراجع وعجز الموازنة في تزايد وعدم قدرة الاردن على الايفاء بسداد ديونها ووقف المنح والمساعدات عنها ادى الى الازمة المالية الاردنية وانتكاسة الاقتصاد الاردني الامر الذي ادى الى تدهور سعر صرف الدينار الاردني في الاسواق ، الامر الذي تم علاجه بالعديد من الامور ابرزها توقيع اتفاقية ربط سعر صرف الدينار بالدولار الامريكي ، وسارعت هذه الازمة بإعادة هيكلة الدولة وتم اتخاذ حزمة من القرارات ابرزها اعادة الحياة الديمقراطية التي تم وقف العمل فيها للعديد من السنوات واجراء انتخابات نيابية واعادة العمل الحزبي وفق قانون الاحزاب الاردنية وحزمة من الاصلاحات الاقتصادية ، فكانت الاردن بعقل صانع القرار الاستفادة من المعضلات وتحويلها الى نقطة قوة للاستمرار نحو تعزيز البناء.

هنا وعلى الجانب السياسي الخارجي وفي عام 1990 تم احتلال الكويت من قبل العراق ( لدى العراق العديد من الاسباب آنذاك ) ، الاردن بقيادة الملك الحسين رفض هذا الاحتلال كما رفض التدخل الأجنبي لحل الصراع العربي العربي ولعب الاردن دوراً مهماً آنذاك لردم الصراع واقناع العراق بالانسحاب من الاراضي الكويتية الا ان الدول العربية بقيادة مصر والسعودية لم تعطي الاردن مزيداً من الوقت لإقناع العراق بذلك كما طلب الملك الحسين من قادة دول جامعة الدول العربية الذين عقدوا جلسة وصوتوا بالموافقة على الطلب من الولايات المتحدة الامريكية بالتدخل العسكرية لإخراج العراق من الكويت واندلعت حرب الخليج التي يعرف نتائجها الجميع ، وكان الموقف الاردني الرسمي والشعبي علني وواضح بعدم المشاركة مع اي قوات اجنبية ضد اي دولة عربية وبالتالي كانت الاردن تقف الى جانب العراق ، هذا الموقف الذي دفع الاردن ثمنه باهضاً بكافة المجالات على راسها الاقتصادية والسياسية كعقاب له من اشقائه العرب والولايات المتحدة الامريكية ، فالأردن اصبح دولة منعزلة عن المجتمع الدولي ومورس عليه حصار اقتصادي عالي المستوى ، واستقبل موجه كبيرة من اللاجئين سواء العراقيين والكويتيين الذين تسببوا بضغط هائل على البنية التحتية من خلال تضاعف غير مخطط له بعدد السكان في ظل اصلا ازمة مالية لم مضى عليها سنوات قليلة ومازالت تعاني منها ، لكن الدولة الاردنية كما اسلفت سابقاً هي دولة مؤسسات وليست دولة افراد ، لهذا استطاعت الدولة التعامل والتعاطي مع هذه الازمة وفق نهج علمي عملي واقعي واستطاعت وقف النزيف الاقتصادي باقل التكاليف واقل الخسائر.

مع نهاية حرب الخليج الاولى وكأن الولايات المتحدة تريد ان تكافئ الدول العربية لمشاركتها في حرب الخليج ضد العراق ، طرحت امريكا فكرة مفاوضات السلام مع الجانب الاسرائيلي الامر الذي دعا الدول العربية للمشاورات مع الاردن كطرف في الصراع العربي الاسرائيلي وبعد مناقشات وحوارات كان هناك وفد مشترك اردني فلسطيني سميت بمفاوضات مدريد التي لم يكتب لها النجاح.

في هذه الاثناء كانت السلطة الفلسطينية تجري مفاوضات سرية مع الجانب الاسرائيلي من خلال الرئيس الاسرائيلي ودون علم الحكومة الاسرائيلية التي يترأسها اسحق رابين ( الا لاحقاً وبعد فشل مفاوضات مدريد ) توجت هذه المفاوضات السرية باتفاقية سميت باتفاقية اوسلو التي اعتبرتها الاردن طعنه من الظهر ، هذه الاتفاقية التي فتحت الباب امام كل العرب لعقد اتفاقيات سلام مع اسرائيل ( تحت بند اصحاب الارض او اصحاب القضية وقعوا اتفاقية فماذا نحن فاعلون ) ، الاردن المحاصر اقتصاديا وسياسيا والذي كان لديه تخوفات من مصير الضفة الغربية وعلى رأسها القدس والمقدسات الاسلامية وتخوف اخر ان يكون تصفية القضية الفلسطينية على حساب الدولة الاردنية.

فطرحت الولايات المتحدة الامريكية فكرة اتفاقية السلام الاردنية الاسرائيلية فذهبت الاردن لهذه المفاوضات والتي توجت باتفاقية سميت اتفاقية وادي عربة ، وفي هذه الاتفاقية التي تعد ذو بنود جوهرية للقضية الفلسطينية والدولة الاردنية ، حيث ان الكيان الصهيوني قد قام بترسيم الحدود مع الاردن وهذا يعني عدم التوسع الاسرائيلي وايضا ضمان حق العودة للاجئين وتعويضهم ودعم الاشقاء في الداخل الفلسطيني واسترجاع المياه الاردنية وغيرها من الاهداف الاردنية الاستراتيجية التي تحققت في هذه الاتفاقية ، والتي كان من المفروض تطورها الى الاعتراف في دولة فلسطين على حدود 1967 لكن تم اغتيال اسحق رابين واستلام اليمين المتطرف.

ابان المعاهدة وبعد سنوات تم اطلاق النار على مجموعة من طالبات إسرائيليات من خلال عسكري اردني ادى الى وفاة مجموعة منهن ، الامر الذي سبب حرج سياسي دولي للدولة الاردنية خاصة وان القتيلات هم اطفال مدنيين وبالتالي يعتبر هذا الامر خرق صريح لمعاهدة السلام ، الجانب الاسرائيلي الذي طالب بمحاكمة العسكري من خلال محاكم اسرائيلية الذي رفضه الاردن بدوره وحاكمه من خلال المحاكم الاردنية وفق القانون والنظام الاردني.

لم تمض على حادثة الطالبات سنوات الا وان قامت الحكومة الاسرائيلية بمحاولة اغتيال للقيادي في حركة حماس خالد مشعل ، ادى هذا الامر الى توتر سياسي بالعلاقة الاردنية الاسرائيلية بل كانت اشد من ذلك فالأردن لم يشجب ويستنكر ، بل علق الملك الحسين معاهدة السلام والعمل بها وانهائها بحياة خالد مشعل ، وفعلا وفورا ارسلت الحكومة الاسرائيلية الترياق وبعد الاطمئنان على صحة وسلامة خالد مشعل تمت مفاوضات على هذا الامر وتم تسليم الجانب الاسرائيلي الجناة مقابل اطلاق سراح مجموعة من الاسرى الاردنيين والفلسطينيين وعلى رأسهم الشيخ احمد ياسين الذي استقبله الملك الحسين وادخل للعلاج في مدينة الحسين الطبية واعتبر ذلك نصراً سياسياً للدولة الاردنية.

ومع كل هذه الظروف والتحديات الا ان الاردن ماضي بمسيرة البناء والنهضة والتطوير فازداد عدد الجامعات وتضاعف عدد المدارس الثانوية والاساسية وبناء المستشفيات في مختلف المحافظات وتفتح الطرق الرئيسية والفرعية والزراعية وتطور في الصناعات والجيش والاجهزة الامنية في تطور مستمر بكافة جوانبه ، لكن بسبب الضغط الاقتصادي على الخزينة وحالة الترهل الاداري في بعض المؤسسات والوحدات التابعة لها اتجه الاردن الى برنامج التحول الاقتصادي ( الخصخصة ) وبيع بعض من الشركات التابعة للحكومة استراتيجية وضعت آنذاك ، ودخلت التكنولوجيا الى الاردن وتطور شبكة الاتصالات وغيرها.

كان آنذاك الملك الراحل الحسين بن طلال يعاني من مرض السرطان وكان يتعالج في الولايات المتحدة الامريكية ويدير شؤون البلاد اما من خلال السفارة الاردنية في واشنطن او من مكان علاجه في الولايات المتحدة الامريكية ، وبعد ان اشتد المرض عليه واخذ السرطان الخبيث يتفشى بجسده ، عاد الى الاردن واتخذ مجموعة من القرارات المهمة في الاردن كان ابرزها كان على ولاية العهد فكان الامير الحسن بن طلال يشغل ولاية العهد ، فتم اتخاذ القرار بتعين الامير عبدالله بن الحسين ولياً للعهد خلفاً للأمير الحسن بن طلال وذلك وفقاً لأحكام المواد الدستورية الذي يكون فيه نظام الحكم وراثي.

في صباح يوم 7/2/1999 توفي الملك الراحل الحسين بن طلال واستلم الملك عبدالله الثاني سلطاته الدستورية ، وتم تشيع جثمانه الطاهر بجنازة شارك فيها الغالبية العظمى من زعماء العالم ورؤساء الدول والشعب الاردني ، الجنازة التي تم وصفها او اطلق عليها جنازة العصر ، وهذا يدل على مكانه الملك الحسين بين افراد شعبه ومكانته السياسية العالمية عالية الشأن التي كان يحظى بها.

الاردن في مأزق هكذا اعتبره البعض حيث انتقال السلطة في الدول وخاصة الدول العربية يعتبر ويوصف بالأمر الخطير ، فقام مجموعة من الاقتصاديين بسحب ارصدتهم من البنوك واخراجها خارج الاردن وتحويل بعضها الى عملات اجنبيه تخوفاً من انهيار للدولة الاردنية واقتصادها ، لكن الامر الذي حدث خالف كل هذه التوقعات فانتقال الحكم مر بسلاسله متناهية فالبيت الهاشمي لا صراع بداخلهم على من يحكم وهناك توافق ورضا مطلق على الامير عبدالله بان يكون الملك الاردني الرابع ، بالإضافة الى ان الشعب الاردني ليس لديه اي نوايا بتغير نظام الحكم الهاشمي ويؤمنون بشرعية وجودة وانها متعددة الشرعيات الدينية والوراثية والرضى الشعبي عليهم ، وايضا الاردن ليس دولة افراد بل هو دولة مؤسسات وبالتالي العمل المؤسسي هو الذي فرض سيطرته دون حدوث اي نزاعات في سدة الحكم وان الشقيقة المملكة العربية السعودية قد قامت بوضع وديعه مالية لدى البنك المركزي للحفاظ على الدينار الاردني وعلى احتياطي النقد لدى الخزينة وسد العجز الذي خلفه سحب الاقتصاديين اموالهم.

انطلق الاردن في جيله الرابع نحو اردن عصري قابل للتطور وتعزيز البناء مواكباً للتطور العالمي في كافة الجوانب ، فحمل الملك عبدالله الثاني القضية الفلسطينية بكل امانه ولم يساوم عليها ولم يدخل في صراعات مع السلطة الفلسطينية بل يكاد ان يكون هو الوحيد الذي يدعمهم ويدعم وجودهم من خلال تنسيق عالي ومتواصل منذ اليوم الاول لاستلامه سلطاته الدستورية وليومنا هذا.

الاردن في جيله الرابع دخل من خلال مطالبات ملكية بإصلاحات سياسية تعزز من المشاركة الشعبية وتطورها وفق اصلاح منظومة القوانين الناظمة للحياة السياسية بالإضافة الى المطالبة والتوجيه الى اصلاحات اقتصادية مختلفة ومتنوعة تراعي التطور الاقتصادي بكافة مجالاته التجارية والصناعية.

فدخل الاردن الى عضواً في منظمة التجارة العالمية ، وايضا كان رابع دولة في العالم تستطيع ان توقع اتفاقية السوق الحرة مع الولايات المتحدة الامريكية الامر الذي كان دفعة ايجابية للاقتصاد الاردني وزيادة حجم صادراته للدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة الامريكية بالإضافة الى العديد من المزايا الجمركية والرسوم على المنتجات الامريكية وايضا الاردنية.

مع بداية الحقبة الرابعة للدولة الاردنية تزداد منطقة الشرق الاوسط بمزيد من التحديات خاصة بعد حادثة 11 سبتمبر الامريكية التي اثرت سلبا وتحولاً كبيراً في منطقة الشرق الاوسط وخاصة لدى العرب والمسلمين الذين قد اتهموا بانهم الحاضنة الاكبر للإرهاب ، وبدأ ما يسمى الحرب على الارهاب وفي هذه الاثناء تم تشوية صورة الاسلام دولياً لجئت الاردن ومن خلال امر ملكي بإصدار ما سميت " رسالة عمان " التي توضح المبادئ والمفاهيم والقيم الاسلامية الحقيقية والتي اصبحت مرجعاً للعديد من الجهات الدولية والعلماء المسلمين والدارسين للإسلام والباحثين فيه ، وايضا هنا كان الاردن جزء رئيسي بالحرب ضد الارهاب.

وكانت الولايات المتحدة الامريكية بعد حرب الخليج وان جعلت لها مخرج سياسي في تواجدها بالعراق بشرعية عربية انتهت مع انتهاء الاحتلال العراقي للكويت الا انها وجدت شرعية اخرى باتهام العراق بانه يملك اسلحة دمار شامل ، فاحتلت العراق من خلالها غزوها آنذاك للعراق من القوات الامريكية بداعي ان العراق يمتلك اسلحة دمار شامل محظورة دولياً ، استقبل الاردن موجة جديدة من اللاجئين العراقيين ، وكما هو الاردن بلد العرب والعروبة لم يخذل الاشقاء بل فتح لهم كافة الابواب وحمى ما تبقى من المطلوبين للولايات المتحدة الامريكية من نظام الشهيد صدام حسين لغاية هذه اللحظة ، لكن هذا الامر له تبعات اقتصادية من ضغط على البنية التحتية بكافة جوانبها الصحية والتعليمية والخدمية وغيرها لكن الاردن لم يأبى لذلك فهو البلد المضياف الذي تعود على تقاسم لقمة العيش مع اخيه.

ونتج عن هذا الغزو للعراق تزايد حالات الارهاب وتناميها فأصبحت العراق ارضاً خصبة للمنظمات الارهابية وتطوير قدراتها من مخلفات الحروب وانهيار الدولة ، اثر هذا التنامي للمنظمات الارهابية على العالم باسره وعلى منطقة الشرق الاوسط بشكل خاص والاردن جزء رئيسي من دول الشرق الاوسط فالعراق الدولة المجاورة للأردن ، فكيف للأردن المحافظة على آمنه واستقراره في ظل تنامي هذه المنظمات وتوسع اعمالها الارهابية بكافة الدول ، الا ان الاردن استطاع من خلال القوات المسلحة والاجهزة الامنية المختلفة التي تحظى باهتمام مباشر من الملك عبدالله الثاني الذي كان قائداً للقوات الخاصة فيها ويعي تماماً كيفية التعامل مع هذه الامور ان تحمي الاردن ومواطنية من ان تصبح الاردن ارضاً خصبة لهذه المنظمات الارهابية بالتوازي مع تعزيز بناء الدولة ومؤسساتها وتطوير العمل الديمقراطي ، الا ان الاردن لم تخلو من حالات وعمليات الارهاب ، فالأردن عانى كما عانت مختلف دول العالم من الارهاب فأحداث الفنادق 9 تشرين الثاني 2005 وقتل الابرياء فيها كانت شاهده على ان الارهاب ليس من الاسلام بل هو ليس دين له ، الملك عبدالله لم يقف مكتوف الايدي بل قاتلهم وكانت بقتل مجموعة من قياداتهم في جحورهم ، فنظرية الملك عبدالله الثاني في محاربة الارهاب تأتي وفق الحرب التنويرية ( مواجهة الفكر التكفيري بفكر تنويري ) ومن ثم الحرب العسكرية وايضا مواجهة الارهابين في جحورهم قبل الوصول الى الاراضي الاردني والعبث فيها وانتزاع آمنها واستقرارها.

بالرغم من كل ذلك والضغط الكبير على الاردن اقتصادياً الا انه مازال يسير بخطوات ثابتة نحو تعزيز منظومته التنموية المؤسسية التي تجعل من الاردن دولة قوية قادرة على مواجهة كافة التحديات والمعيقات بثبات ، فانخفضت نسبة الامية في الاردن لنسبة لا تكاد تذكر وارتفعت نسبة الحاصلين على الشهادات الجامعية في مختلف التخصصات وشيدت العديد من الجامعات المتخصصة في كافة المحافظات وانشأت المستشفيات الحديثة وتطوير المستشفيات التي تم انشاها سابقاً وشهدت الاردن تطور عمراني في مختلف المحافظات وغيرها من التطورات في كافة المجالات.

ومازال الملك عبدالله الثاني ماضي بمسيرة الاصلاح الشامل وفق استراتيجية شارك بوضعها مختلف المكونات السياسية والاجتماعية في الدولة الاردنية ، الا ان جاء بما يسمى بالربيع العربي الذي اثرت نتائجه سلبياً على مجموعة من الدول العربية فشاهدنا حالات الاقتتال والوفيات ما بين المدنيين والعسكرين ومثال ذلك مصر وسوريا واليمن وليبيا ، الا ان الاردن كان نموذج في التعاطي مع الربيع العربي الذي حاولت فئات معينه اخراجه عن مساره الاصلاحي ، ولكن كما هي ثوابت الدولة الاردنية الهاشمية ونظامها السياسي الذي كان ومازال يقف بصف الشعب لتحقيق النهضة للدولة ، فلم تكن المطالب الشعبية بعيده عن مطالب رأس الهرم في الدولة الاردنية بل كانت تتوافق مع رؤاه ، فالملك عبدالله الثاني قد طالب بإصلاحات سياسية منذ تولية لسلطاته الدستورية ، ولكن كما هو الحال في كافة الدول هناك من يعرقل مسيرة الاصلاح وهم المتضررين من الاصلاحات بالإضافة الى المحافظين الذين من الصعب عليهم التطوير والتغير ، فكان ما يسمى بالربيع العربي اشبه بقوة دفع للنظام السياسي لتسريع الاصلاحات التي كان اصلا يطالب بها ، فامر الملك بتشكيل لجنة حوار وطني من كافة المكونات والاطياف السياسية والاجتماعية ، وتم تعديل ثلث الدستور الاردني وانشاء المحكمة الدستورية والهيئة المستقلة للانتخاب والغاء قانون الاجتماعات وغيرها من الاصلاحات الجوهرية ، فاستطاع النظام السياسي تحويل هذا التحدي الى فرصة للتطوير والارتقاء بالدولة الاردنية وتعزيز صلابتها ومنعتها ، فهذا الامر الذي لم يروق للعديد من الانظمة السياسية في المنطقة وعلى رأسها النظام السياسي الإخواني الذي حكم مصر بعد ثورته على نظام مبارك ، فاخذ النظام بدعم الحركة الاسلامي بالداخل الاردني لتقويته على النظام السياسي الاردني ودعم كافة مظاهر الاعتصامات والمظاهرات ولم يقف الامر الى هذا الحد بل اخذ بالضغط الاقتصادي على الاردن من خلال تفجير خطوط الغاز من مصر الى الاردن الامر الذي كلف الاردن خزينة الاردن بما يوف عن 5 مليار دولار دون الفوائد بسبب عدم تزويد الاردن بالغاز المصري ضمن الاتفاقية الموقعة ما بين الدولتين.

ومع ذلك وبالرغم من حالة الصدام التي افتعلها الاخوان المسلمين مع النظام السياسي الاردني ومحاولة فرض سيادته على السيادة الاردنية لا ان الاردن السياسي لم يقم بحظر الاخوان المسلمين بالأردن ووضعهم على قائمة المنظمات الارهابية كما فعلت مصر بعد الثورة على حكم الاخوان واستلام السيسي وايضا كما فعلت السعودية والامارات ، وان الضغط الامريكي المصري السعودي الاماراتي على الاردن لم ينتج ان تقوم الاردن بفعل هذا الامر ، بل اعتبرت الاردن بكافة تصريحاتها ان الاخوان المسلمين هم مكون رئيسي في العمل السياسي الاردني ، وهذا الامر يدل على منعه وصلابة الاردن السياسي وعدم تخوفه من اي مكون سياسي يعمل بالداخل الاردني وتكون مرجعتيه الداخل الاردني بدون اي مرجعيات خارجية تريد انهيار الاردن.

ومع تطور احداث الربيع العربي خاصة في سوريا التي ذهبت الى حرب اهليه ، كان الاردن الرسمي اول الدعاة الى الوصول الى حل وتوافق سياسي ينهي الصراع الداخلي قبل الدخول بحرب اهلية طويلة الامد يكون القتل والتهجير عنوانها الابرز ، الى ان الرأي الاردني لم يؤخذ فيه بحينه نظراً لتدخل العديد من الدول المحورية مثل روسيا وامريكا وفرنسا وتركيا بالإضافة الى اسرائيل ولكل منهم اهدافه سواء السياسية او العسكرية ، فدفع الثمن الغالي هو الشعب السوري سواء بعدد القتلى الذي يعد بمئات الالوف او بالسورين الذين هجروا الى الدول المجاورة منها تركيا ولبنان وايضا الاردن الذي استقبل موجة جديدة من اللاجئين تقارب المليون ونصف لاجئ مما ازداد الضغط من جديد على البنية التحتية والخدمية وايضا على الايدي العاملة الاردنية ، كما كان لهذه الازمة الاثر الكبير على الاقتصاد الاردني من خلال اغلاق الاجواء الجوية السورية لعدة سنوات وتكتب الاردن لمزيد من الضرائب والرسوم لاستخدام الاجواء الجوية من دول اخرى وايضا وهو الاهم بالنسبة للأردن وهو ازدياد تنامي المنظمات الارهابية وتزايد عددها وقربها من الحدود الاردنية سواء الشرقية من العراق او الشمالية من الجانب السورية مع انفلات امني سوري وعراقي وعدم السيطرة ، الاردن يزداد الامر صعوبة عليه فتمتين الجبهة الداخلية هو الاهم في مواجهة عدم نشوء خلايا ارهابية بالداخل الاردني وايضا السيطرة على الحدود الاردنية وهذا الامر يتطلب مزيدا من الجنود والمعدات وبالتالي تكاليف مالية عالية بالتوازي مع مطالب تنموية شعبية بالداخل ومنها اصلاحية بالإضافة الى زيادة عدد السكان وتضاعف الضغط على البنية التحتية التي اصبحت بحاجة الى عمليات تأهيل متضاعفة وتوسعتها لتحمل الضغط الهائل عليها ، والمجتمع الدولي لم يقوم بواجبه اتجاه الدول المستضيفة للاجئين ولم تصل الاردن الا ما يقارب 30% من حجم ما تم الوعد به من مساعدات طارئ للقيام بدوره الانساني اتجاه اللاجئين.

الاردن الرسمي قرر العمل بالتوازي ما بين كل هذا وذاك فازدادت العلاقات الدولية متانه واصبح الاردن الحامل لرسالة السلام العالمي والذي بدوره اخذ يسوق الاسلام المعتدل والحقيقي واستعادة الثقة العالمية بالإسلام وعدم الصاق تهمة الارهاب به وان الاسلام هو دين محبة وتسامح ومكارم للأخلاق ، على الشق الاخر اخذ الاردن بتطوير بنية التحتية وتأهيلها للتناسب مع الضغط الهائل عليها بالإضافة الى عدد من القرارات التي تخفض العبء على البنية التحتية (مثل دوام المدارس على فترتين واللاجئين في فترة مسائية ) وبناء مخيمات للاجئين وتنظيم شونهم بالإضافة الى المحافظة على الايدي العاملة الاردنية التي واجهت اشكالية تدني اجور الايدي العاملة السورية وغيرها من القرارات الهامة ، وعلى الجانب الاخر فقد عمدت الاردن على محاربة الارهاب في عقر بيوتهم لمحاولة السيطرة على عدم تقدمهم الى الاراضي الاردنية وكانت الاردن ضمن التحالف الدولي للحرب ضد الارهاب وواجهة ذلك بكل بسالة الى ان حافظت على اردن منيع عاصي على كل من اراد بث الروح الانهزامية لديه وقدمت الاردن مجموعة من الشهداء ( رحمهم الله واسكنهم فسيح جناته )، وقدمت الاردن مجموعة من البرامج التنويرية الثقافية والاعلامية لمحاربة الفكر المتطرف بكافة اشكاله وانواعه واستطاعت الاردن بقيادة حكيمة وحنكة وفطنه سياسية ان توصل الاردن الى بر الامان وتعزز من مكانته وتطوره وتراعي ما بين كافة الشؤون الداخلية والخارجية والعسكرية والديمقراطية حيث قد قامت الاردن بإجراء الانتخابات النيابية والبلدية ومجالس المحافظات في ظل وذروة الربيع العربي وايضا ما زالت تمضي بتطوير تشريعاتها وتعزز من بناء مؤسساتها ، فاطلق على الملك عبدالله الثاني " الملك المعزز " لدوره في تعزيز النهضة والتنمية الاردنية ومواصلة ما بنوه الاباء والاجداد.

الاردن وفي ظل هذه الصراعات العربية وانشغال كافة الدول بشؤنها الداخلية لم يتوانى للحظة واحدة عن الدفاع عن القضية الفلسطينية وابرازها كقضية محورية في الشرق الاوسط والعالم باسره وكما يقول الملك عبدالله الثاني " لا يمكن ان يكون هناك سلام شامل في المنطقة الا من خلال انهاء الصراع العربي الاسرائيلي وفق حال الدولتين والقدس الشرقية عاصمة لفلسطين " ، وفعلا عند دراسة الشرق الاوسط نجد بانه بدون اي حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية لن يكون هناك اي سلام في المنطقة وبالتالي ينعكس ذلك على العالم باسره.

فالأردن الذي وقف ضد صفقة اطلق عليها صفقة القرن للسلام ، مازال صامدا ضد هذه الصفقة المشومة التي تجرد الفلسطينيين من حقهم في تحديد مصيرهم وحقهم في العيش على ارضهم ، فلم يرضخ الاردن لكافة الضغوطات الامريكية وحلفائها ولم تغريه الدولارات فكان جوابه بان القدس خط احمر ب " كلا " مكرر ثلاثة مرات ،كلا على القدس ، كلا للتوطين ، كلا على الوطن البديل ، وهذا يعكس صلابة الموقف الاردني الرسمي والشعبي وقيادته ، وانطلق الملك عبدالله الثاني نحو العديد من الدول العالمي المحورية والمنظمات الدولية بسياسية مكوكية لكسب تأييد المجتمع الدولي لوقف خطة ترامب الرئيس الامريكي اتجاه الشرق الاوسط.

ومازالت المسيرة مستمرة في تعزيز قوة الدولة بكافة الجوانب بالرغم من التحديات والضغوطات التي تواجه الاردن ، فالأردن لم يلتقط انفساه منذ تأسيسه وحتى اختتام مئويته لينهض كما يريد ، ولكنه تطور وارسخ مبادئ الدولة المثالية ومفاهيم ادارة السلطة السياسة بمفهومها الحديث القابل للتعددية ومبدأ احترام الأخر والاعتراف به ، بالرغم من الضغط الاقتصادي عليه الا ان الاردن من ابرز الدول في المجال الطبي وتطوره وندره تخصصاته وكفاءه طواقمه ، والاردن المتطور عسكريا والذي اخذ يطور العديد من الاسلحة والمعدات العسكرية من خلال مراكز ريادية وابداعية لذلك ، الاردن الذي يملك بنية تكنلوجية متطورة توازي الدول الصناعية المتقدمة ومواكبة للتطور العالمي ، الاردن البلد الانساني الملاذ الامن لكل من فقد الامن والاستقرار ، الاردن الذي تربطه علاقة فريده من نوعها ما بين نظام الحكم والشعب مبنيه على الثقة والمحبة والاخلاص والعهد والوعد يفصل بينهما مواد الدستور او العقد الاجتماعي.

مائة عام من العمل الدؤوب والمنتج حققت به الدول الاردنية كافة مقومات الدولة الصلبة المتينة وخضعت للعديد من الاختبارات التي من السهل ان تطيح باي دولة وتنهي وجدوها الا ان الاردن استطاع بناء دولة مؤسسات وقوانين قادرة على مواجهة كافة المعيقات والتحديات لا بل الاستفادة منها وجعلها مصدر قوة لها في مضيها قدماً في مسيرة البناء والنهضة.

مائة عام من والعطاء والانجاز وتستمر المسيرة الاردنية الهاشمية





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :