تناول أميرُ الشعراء، أحمد شوقي، موضوع الأخلاق في كثير من قصائده، ولعل من أشهر أبيات قصيدته (قم للمعلم) البيت القائل: إذا أصـيبَ الـقومُ في أخلاقِهمْ .. فـأقمْ عـليهم مـأتماً وعـويلا.

وللمفارقة أن جاء بعد شوقي من ترجم أشعاره في الدعوة إلى الأخلاق، والتحذير من ذهابها. فربما تُعتبر رواية الكاتب يوسف السباعي بعنوان (أرض النفاق)، عام 1949، شرحاً وتفصيلاً لما ورد في أشعار أمير الشعراء، حول هذا الموضوع. حيث تتناول أبرز روايات السباعي قصة انتشار (النفاق)، في مجتمع كان يُفترض أن توجد فيه (الأخلاق). وقد شبه السباعي (الأخلاق) بسلعة معروضة للبيع، يقل إقبال الناس عليها، فيما يزداد الإقبال على سلعة (النفاق)، الذي أصبح مغلفاً بـ (الأخلاق)، فأصبح الواقع زائفاً.

تحولت رواية السباعي الى فلم سينمائي عام 1968، قام بدور البطولة فيه فؤاد المهندس، ثم تحولت إلى مسلسل تلفزيوني، عام 2018، بطولة محمد هنيدي.

ملخص القصة أنه تصادف وجود البطل في محل مختص في بيع الأخلاق، فدفعه فضوله إلى اقتناء بعض منها، فاختار أن يجرب الشجاعة، لكنه وجد صعوبة في الاندماج بها وسط مجتمع يحكمه النفاق. فقرر اِستبدال الشجاعة بالمروءة، وعلمته هذه الأخيرة العديد من الدروس بخصوص مجتمعه، من نصب واحتيال ومكر وخداع. وهكذا وجد أن كل تلك الأخلاق لن تُجدِي نفعًا وسط مجتمع اعتاد العيش في ظل النفاق، لكنه قَرّر في الأخير سرقة خلطة الأخلاق، وأفرغها كلها في النهر، مُعتقدًا بأنه بتلك الطريقة سيغير حال المجتمع، لكن ذلك جرّ عليه تهمة نشر الأخلاق، وهو أمر يُخالف عادات المجتمع.

وأخيراً، تم الحكم عليه بالعيش في ظل الأخلاق، ولعل هذه عقوبة مشددة في واقع مليء بالنفاق، ومن ثم وجد صعوبة بالِغة في الاندماج وسط مجتمع يقوم على النفاق.

النفاق مرض قاتل
موضوع النفاق مهم جداً، لأنه مرض اجتماعي قاتل يشمل 3 آفات خطيرة، كما ورد في الحديث الشريف. فالنفاق يشمل الكذب، ويشمل الإخلاف بالوعد، ويشمل الخيانة. وهذه أمور مدمرة لحياة البشر، في أي مجتمع كان. فلا عجب أن يكون في القرآن الكريم ما يزيد عن ألف آية تتحدث عن مكارم الأخلاق، بينما نجد 130 آية فقط تتحدث عن العبادات.

خلاصة القول: الكذب يقود الى الهاوية

عندما ينتشر النفاق فإن مصير المجتمع الفشل. واقرب مثالٍ على ذلك ما يجري في أمريكا، من أحداث داخلية تقود الى تفسخ المجتمع، وهبوطه، وإنحداره على كافة المستويات. فأربع سنوات، مع رئيس مارس النفاق بكل أشكاله، تكفي لتفكيك الاتحاد برمته. حيث كان يكذب ليلاً نهاراً، على نفسه، وشعبه، والعالم. وترك لمن جاء بعده تركة ثقيلة، وبلاداً أصبحت فعلاً أرضاً للنفاق، منقسمة على ذاتها، ربما تؤول للسقوط، مع مرور الأيام. وهناك عبرة ليست ببعيدة في مصير الدول التي يمتهن قادتها الكذب على شعوبهم، مثل غوبلز، وزير إعلام هتلر، الذي ظل يكذب حتى آل مصير دولته النازية إلى الخراب والإندثار.