ثورة الياسمين: لماذا الفشل!
د.أحمد بطاح
21-01-2021 06:51 PM
عندما أحرق "البوعزيزي" نفسهُ مطلقاً الشرارة الأولى للثورة التونسية بل ولجميع ثورات الربيع العربي، لم يكن أحد يتصور أنّ التونسيين سوف يعودون وبعد عشر سنوات من الثورة إلى الشوارع متظاهرين ومُطالبين بذات المطالب تقريباً من توفير فرص العمل للشباب ومحاربة الفقر، وتقليص نسب البطالة.
ولكي نكون مُنصفين فإِنّ الثورة التونسية حققت أول مطلبي الثورة الأساسيين: الحرية والعدالة الاجتماعية، فالتونسيون الآن ينعمون بحرية لم يكونوا يحظون بها منذُ فترة الاستقلال في ستينات القرن الماضي، ولطالما أشار المحللون إلى أنّ الثورة التونسية هي الوحيدة التي تبنت المسار الديموقراطي ونجحت فيه بصورة واعدة، وجرى انتقال السلطة سلمياً من الرئيس المنصف المرزوقي، إلى الرئيس الباجي قايد السبسي ومن ثُم إلى الرئيس الحالي وهو قيس سعّيد.
ولكن... هل كان هذا هو المطلب الأساسي للتونسيين أيّ الحرية أم أنّ مطلبهم الأساسي كان العدالة الاجتماعية؟ إنّ ما يجب أن يكون معروفاً بوضوح هو أنّ الحرية في العادة هي مطلب "النُخبة" (Elite) وليس الجماهير. إن النخبة المثقفة الواعية المتعلمة هي التي لا تستطيع أن تعيش بدون ممارسة حق التعبير، والنشر، والانتظام في التجمعات كالأحزاب، والنقابات، والجمعيات المختلفة، أما الجماهير فهي تبحث عادة عن "لقمة العيش" أيّ بعبارة أُخرى عن العدالة الاجتماعية التي تضمن لها عملاً يدّر عليها دخلاً معقولاً يؤمن لها العيش بكرامة.
هل معنى ذلك أن الجماهير لا تهتم بالحرية؟ طبعاً تهتم ولكنها ليست أولوية بالنسبة لها، بل الأولوية هي للعيش الكريم، ومما لا شك فيه أنّ القضيتين مترابطتان فلا يمكن أن تتحقق حُرية حقيقية بدون عدالة اجتماعية حقيقية، فالفرد الذي يظلّ مُرتهناً للقمة العيش لا يمكن أن يكون حُراً يُمارس خياراته كما يريد.
وإذاً فأين كان الخلل بالنسبة للثورة التونسية؟ لقد كان عندما تمّ تقديم الحُرية على العدالة الاجتماعية، أيّ بعبارة أُخرى عندما تمّ اعتماد الأسلوب الديموقراطي الليبرالي الغربي الذي سمح للنظام السياسي بأن يعيد إنتاج نفسه وبدون أيّ مشاريع حقيقية لإعادة توزيع الثروة في المجتمع بما يحقق العدالة والمساواة وصولاً إلى توفير فُرص العيش الكريم للجماهير. لقد كان هذا المسار (الديموقراطي) مناقضاً في الواقع لما توافقت عليه الثورات المعروفة (الفرنسية، المصرية لعام 1952...) والتي اعتمدت جميعها ما يُسمى "بالشرعية الثورية" بدلاً من "الشرعية الدستورية" حيث تم إزالة الأنظمة السابقة عليها وتأسيس أنظمة جديدة تحقق أهداف هذه الثورات.
هل كان هذا ممكناً في حالة ثورة الياسمين أو حتى كل ثورات الربيع العربي؟ للأسف لا، لأنّ هذه الثورات لم يكن لها قيادات معروفة ومُحنّكة، ولم يكن لديها برامج للتنمية الحقيقية. لقد كانت صيحات صادقة وحقيقية تطالب بالتغيير نحو الأفضل، ولكنها افتقرت إلى القيادات "الكاريزمية" المؤمنة بتوجهاتها المستعدة للتضحية في سبيلها، كما افتقرت إلى البرامج التي يمكن - إن وُضعت موضع التنفيذ – أن تنقل الجماهير من حال إلى حال.