السلطات الدستورية: تعاون ام شراكة .. !
د.طلال طلب الشرفات
21-01-2021 12:28 AM
ليس من حق أحد أن يطالب بالشيء ونقيضه في آنٍ معاً، ولا يجوز البتة أن نغير نمط العلاقة بين السلطات الدستورية، ومضامين الأدوات الدستورية في إدارة شؤون الدولة بعيداً عن أحكام الدستور التي تستوجب تمكين السلطة التنفيذية من أداء مهامها في إدارة شؤون الدولة وفقاً لأحكام المادة (45) من الدستور ليتمكن مجلس الأمة بغرفتيه (الأعيان والنواب) من بسط دورهما الرقابي من خلال الرقابة السياسية على أعمال الحكومة؛ وفقاً للحدود والآفاق الدستورية، والأنظمة الداخلية لكلا المجلسين؛ لأنه بدون تمكين الحكومة من ممارسة هذا الدور تفقد تلك الرقابة مبرراتها وأساس وجودها ويضحي التَّغوّل معاكساً هذه المرة بأسلوب أو بآخر.
رئيس الوزراء هو المخوّل بإصدار أوامر الدفاع سنداً لأحكام قانون الدفاع رقم (13) لسنة (1992) والسلطة التنفيذية هي المخوّلة بإنفاذ أحكام القانون وتخضع في هذا إلى رقابة قضائية عند الانحراف في التطبيق أو الشطط في التنفيذ، وإلى الرقابة السياسية من مجلس الأمة إن قصَّرت أو تخاذلت في إعمال مبدأ سيادة القانون على الكافة دون إسفاف أو إجحاف. وهذا يوجب على الجميع عدم مؤاخذة الحكومة على قيامها بواجبها بحزم وشفافية وعدالة ومساواة وفقاً لأحكام القانون.
الحكومة - أي حكومة - ليست محصنة من النقد وذات الأمر ينطبق على باقي السلطات والمؤسسات والأفراد، وهذا ما يدعو الجميع إلى عقلنة السلوك النخبوي، ورشد الخطاب الإعلامي، ونضج النصيحة المتبادلة، وواقعية الرقابة السياسية. فالمساءلة لا تنهض قبل تمكين السلطات والمؤسسات من أداء واجباتها، ولا تقوم إلاَّ بإدراك الحدود الفاصلة بين الانحراف المدان، والحزم في النهوض بالمهام، وبدون هذه الحساسية الأخلاقية اللازمة لا يمكن أن نحقق خطوات في الإصلاح السياسي أو التنمية السياسية أيهما أكثر تعلقاً بالواقع.
في ظني أن هذه الحكومة تدرك الفائدة الوطنية من وجود برلمان يملك زمام أمره، ومن مصلحتها تكريس تقاليد برلمانية تقوم على الفهم المشترك في إدراك التحديات والتعاون في معالجتها وتحديد الأولويات الوطنية وفق معايير الرفعة الخالصة، ومجلس الأمة بغرفتيه مؤهل ليكون أنموذجاً في النضج السياسي والحكمة التشريعية ومغادرة مساحات المطالب الانطباعية إلى ركائز الإدراك الوطني الدقيق في التحديات الاقتصادية والمخاطر الإقليمية والضغوط الدولية التي لا يمكن مواجهتها إلاَّ بالتوحد الوطني والثقة المتبادلة وتبادل الأدوار دون مصادرة من أحد أو استقواء من آخر.
التدرج والمرونة والواقعية هي ضرورات وطنية لتعاون السلطات وفعالية المؤسسات، والأوطان التي تبحث عن الصمود وحماية المنجزات عليها أن تعزز الثقة الوطنية في كل أركان الدولة ونخبها المخلصة، لا بل عليها أن تضع ركائز الولاء الوطني وأبجديات الانتماء وسمات القيادة الخالية من خوارم المروءة الوطنية، وعندها فقط ندرك أن الوطنية هي تاج النهوض وذروة الخلود الوطني الناجز.
وحمى الله وطننا الحبيب من كل سوء.