للمرة الأولى يجري ربط كل من وزارتي العمل وادارة شؤون الاستثمار بشخصية حكومية كانت تحظى بمتابعة واهتمام شعبي واسع، فمواضيع الاستثمار وادارة ملف العمل والبطالة والتدريب والتشغيل وشؤون العمالة الوافدة وكل ما يتعلق بهذه المجالات اصبحت ومنذ اشهر في عهدة الوزير الدكتور معن القطامين.
في تقييمي الشخصي ان اختيار الدكتور القطامين لادارة ملفي العمل والاستثمار في حكومة الدكتور الخصاونة في هذا التوقيت العصيب كان المفاجأة الوحيدة في التشكيلة الحكومية وربما الخطوة الاكثر حكمة وذكاء. فقد تجاوز هذا القرار كل المعادلات والحسابات التي كانت تدخل وتتدخل في تشكيل الحكومات وارسل رسالة قوية للشارع وكل المنتقدين مفادها ان الدولة الاردنية تحاول جاهدة الاصلاح، وها هي تأتي بأحد اكثر الناقدين تكريسا للنقد واغزرهم في انتاج الافكار والمقترحات البديلة للسياسات التي اتبعتها الحكومات السابقة في معالجة قضايا الاستثمار والعمل ومعالجة البطالة والرسوم والاجور وغيرها.
لسنوات طويلة لم ينتج اي ناقد او متابع ومحلل كما من الرسائل يعادل او يقترب مما انتجه الدكتور القطامين من التقييم والتحليل والنقد لغالبية ما قامت به الحكومات فقد اعد العشرات ان لم يكن المئات من الرسائل التي يستجيب من خلالها الى كل سياسة او مؤتمر او قرار حكومي يبين من خلالها ما قيل وما تنوي الحكومة القيام به مشيرا تارة الى ايجابيات القرارات ومعبرا في احيان كثيرة عن الاخطاء والمثالب التي تعتري هذه السياسات والاجراءات الامر الذي جعل مما يقول ويبث من رسائل مادة للحديث ومصدرا يستشهد به كل من يود الرد على الحكومات او الاعتراض على سياساتها.
لقد كان القطامين يعمل كراصد مثابر يقرأ الارقام، ويقارنها بالواقع فيبين الاختلافات ويقترح البدائل. كان يمضي جل وقته في اعداد المواد التي توضح للمتابع وبلغة بسيطة مفهومة ما تقوله الاوراق والحزم والمنصات فتجده يحاضر هنا ويناقش هناك ويستمع له الناس ويعتقدون انه يقول قولا مقنعا.
بجرأة ووضوح عاليين كان يشرح ارقام الموازنة ويبين عائدات الحكومة من الاسعار والضرائب ويناقش ارقام البطالة والسياحة ويتحدث عن الهم الصناعي ومعاناة المستثمرين والاخطاء التي ترتكبها الحكومات وفي ختام كل مقطع يقدمه كان السؤال على ألسنة الناس ماذا لو اصبح هذا الرجل في موقع المسؤولية هل ستختلف الامور.
على الصعيد الشخصي اعجبني نهج الدكتور القطامين وفي المرات القليلة التي التقينا اثنيت على ما يقوم به وقد شبهت جهده وتكريسه للنهج الذي اتبعه السياسي والمحامي الاميركي من اصل لبناني « رالف نادر» الذي امضى حياته مدافعا عن حقوق المستهلك الاميركي وبنى شبكة واسعة من الحقوقيين المدافعين عن الحقوق وخاض الانتخابات الرئاسية الاميركية عن المستقلين دون ان يكتب له النجاح.
دخول الدكتور القطامين للحكومة أثار موجة من الجدل فهناك من رحب بذلك راجيا ان يحول الرجل كل ما قاله من نقد الى سياسات في حين عارض البعض هذه الخطوة واعتبرها تنكرا للدور التوعي الذي قام به الرجل طوال اكثر من اربعة اعوام.
ايا كان الموقف من وجوده في الحكومة يحمل حقيبة الاستثمار وحقيبة العمل فان الايام القادمة ستبرهن على اذا ما كان بامكان الوزير الفرد ان يحدث فرقا في العمل الحكومي ام ان الاوضاع التي آلت اليها الادارة الاردنية قادرة على ابتلاع وتذويب الافكار والمقترحات والرؤى الفردية وتحويلها الى خطابات تبريرية ولغة تتوجه الى ابراء ذمة المسؤول ولوم الظروف والمواطن والآخرين على كل ما نعانيه وتعانيه مؤسساتنا.
(الغد)