في حدود معرفتي وكوني غير متخصص في الشريعة الإسلامية، فمن وجهة نظري، أن الله سبحانه وتعالى، بيّن للبشر ما هو محرم عليهم في مجالات ثلاث وهي:
أولا: المحرمات في العلاقات بين الناس وفي حركة الحياة، بغية تنظيم حياتهم كمجتمعات.
ثانيا: المحرمات من المأكل والمشرب، بغية الحفاظ على صحة الفرد، وبالتالي استمرار الحياة بشكل آمن.
ثالثا: المحرمات في العلاقات بين الجنسين، بغية ان يبقى الجنس البشري حسنا وعلى الصورة التي خلقه عليها، فلا يصيبها الاختلاط الخاطئ أو الضمور والتلاشي وهو سبحانه أراد ان نعلمَ ذلك ونتعلمه ونعيه ونضبط حياتنا عليه.
وفي يقيننا ان الله أراد أيضا من ضمن ما أراد من تبيان ذلك كله لنا، ان نتعلم كيف ننظم حياتنا عبر العصور، وكيف نضع قواعد للعلاقات تحفظ المجتمعات وتحافظ على نسقٍ من شانه عدم ظهور معاول هدم لبنيانها وانهيار المجتمعات وزوالها.
هذه القواعد الناظمة لحياة مجتمع ما في زمن ما وفي بقعة جغرافية معينة والتي تتفق نخبة واعية من ذلك المجتمع على وضعها بما يتفق ويتناسب مع اقتصاديات وعادات وتقاليد ومعتقدات ذلك المجتمع، تسمى ببساطة القانون.
هذا القانون يجدر بكل الأفراد تعلمه وأن يكونوا واعين به لأنه هو الذي يكفل لهم سلامة العيش وحفظ مجتمعهم.
وقد حرصت التجمعات والمجتمعات البشرية منذ استقر الإنسان على الأرض ومنذ التشكيلات البشرية الأولى ان تضع مثل هذه القواعد في أذهان الناس وذلك قبل اختراع الكتابة، فقد كان كافيا الوعي بالمصالح لان يتفق الأفراد على حدود التعامل الاصوب.
هذه القواعد القانونية كانت تتطور وتتغير معاييرها مواكبةً التطور الحاصل في حياة الناس عبر الآف السنين.
اليوم ومع وصول المجتمعات البشرية إلى هذا الحجم الهائل من التشابكات في العلاقات، والتطور الكبير الحادث في حياة الناس ووصول الإنتاج الى هذه الدرجة العالية من التقدم التكنولوجي والتعقيدات الكبيرة في العلاقات البينية، أخذ يطور القانونيون كل يوم قواعد جديدة لتتفق مع المستجدات والتركيبات الاجتماعية التي تظهر كل يوم وتتشابك وتتداخل علاقاتها ومصالحها.
من هنا، ظهر كم كبير وهائل من القوانين التي من شأنها تنظيم تلك العلاقات والمصالح وتتطور كل يوم.
ولان الحياة والتطور والتقدم العلمي افرز واخرج المئات بل الآلاف من فروع العلم والتخصصات المختلفة، أصبح من الضرورة الملحة بمكان، ان يمتلك كل إنسان قدرا معينا من المعرفة بالقانون وعلى الأقل بما يتعلق بحياته وتداخلاتها مع الآخرين.
ولكي يكون الإنسان قادرا على المضي بحياته وعمله وعلاقاته المتداخلة مع الآخرين فان المجتمع يحرص على ان يعطي الأفراد منذ الطفولة قدرا معينا وفكرة تتناسب مع العمر من كل فرع من فروع العلم المختلفة والتي هي تعتبر أساسا للبناء عليها فيما بعد.
فالمجتمع يقدم للأفراد علوماً مثل اللغة والحساب والرياضة ثم يبدأ بتغذيتهم بجرعات أخرى من الرياضيات والفيزياء وغير ذلك مما تلزم معرفته كأسس يبنى عليها.
وتدريس القانون في المدارس يهدف إلى منع الجريمة أو الحد منها على الأقل، وترسيخ ثقافة احترام القانون من خلال أدوات وموارد تعليمية مخصصة لمراحل التعليم الابتدائي والثانوي والجامعي؛ من شأن هذه الأدوات والموارد أن تساعد المربين على توعية الجيل المقبل من اجل تحسين فهمه للمشاكل التي يمكن أن تقوض سيادة القانون ومعالجة تلك المشاكل على نحو أفضل.
وإننا هنا نرى، ان أساسيات او مقدمات معينة ومدروسة بعناية من القانون هي ضرورة هامة علينا، لتوعية الأفراد بها شيئا فشيئا، لكي يبني علاقاته مع الآخرين ومع الأعمال وتفاعلات الحياة بشكل سليم، وألا يعرضه لأخطار الوقوع فيما نهى عنه القانون والموجب للعقوبة.
لذلك نرى أن تدريس القانون وبشكل متدرج لطلاب المدارس في المرحلة الابتدائية حتى الثانوية العامة، وخاصة القوانين التي تلامس حياة الفرد اليومية في المجتمع، ونخص بالذات قانون العقوبات، تجعل الطالب وهو على مقاعد الدرس حتى يتخرج، يعلم ما له وما عليه ويدرك أن ارتكاب أي فعل من الأفعال المنصوص عليها في القانون يترتب عليه عقوبة، وهذا مالا يدركه الطالب خاصة في فترة المراهقة، وقد لا يعيه من يقوم على تربيته في البيت. حيث يظن الغالبية منهم أن نتائج تلك المشاجرات تحل على شرب فنجان قهوة.
فدراسة القانون في المدارس لا تقل أهمية عن غيرها من المواد الأخرى كالرياضيات والفيزياء، بل على العكس قد يستفيد الطالب من دراسة القانون في حياته أكثر من دراسته للفيزياء والأحياء وغيرها.
وعلى ان تكون تلك الجرعات القانونية المناسبة للأعمار المختلفة على شكل مناهج دراسية تعطى في المدارس بمراحلها المختلفة كجزء أساس وهام وذي قيمة لبناء شخصيات مستقرة واعية بحقوقها وواجباتها كوعيها بحق وواجب الآخر والمجتمع تجاهها. هذا المنهاج يضعه قانونيون بإشراف لجان المناهج في وزارة التربية ويقوم على تدريسه للطلبة محامون معينون كمعلمين في تلك المدارس الحكومية والخاصة من حملة شهادات عليا في القانون يدرسون المواد القانونية في الجامعات الحكومية والخاصة.
وإننا نرجو ان لا يُنظَرَ إلى هذا الأمر على انه ترف أو عبث، انه لأمر حيوي هام، ذلك ان كثيرا من الناس عرّضوا أنفسهم لعقوبات قانونية نتيجة عدم المعرفة بأبعاد بعض الأفعال.
وليس هذا فحسب فالأمر لا يتوقف عند السلوكيات الفردية التي يفعلها البعض بحق نفسه وإنما يمتد الأمر لان يقوم مسؤول أو مسؤولون في الدولة بارتكاب أخطاء كبرى يكون لها اثر سلبي جسيم يلحق بالدولة خسارات كبرى أو إخلالا بعلاقات الدولة مع الغير.
وهنا قد يقول قائل.. ان هناك استشارات قانونية يقوم بها المسؤولون قبل تنفيذ أمر ما، ومع احترامنا الكامل لتلك اللجان القانونية والمستشارين، إلا ان وعي المسؤول ابتداء بالقانون أولى وأجدر وأكثر إنتاجية.
هذا كله... نقدمه خدمة للمجتمع ولكل فرد فيه وللدولة وللمستقبل الواعد بأمل، لا نبغي من وراءه إلا رفعة هذا الوطن في ظل قيادته الحكيمة والحريصة على تقدمه وازدهاره.. ممثلة بصاحب الجلالة الهاشمية الملك عبد الله الثاني بن الحسين وسمو ولي عهده الشاب الحسين بن عبد الله حفظهما الله ورعاهما وأدام عزهما.
تجمع محامو شباب الأردن الأحرار