الجامعات.. التعليم.. المؤسسات التعليمية.. النظام التعليمي… اساس رقي الأمم، إذ لا توجد دولة متقدمة، إلا من خلال نظام تعليمي محكم ومنتج ومتطور… وهنا يأتي السؤال لماذا نتأخر؟ ولماذا لم تدخل جامعاتنا دائرة الفعل وتصبح أداة تطور ورقي إجتماعي واقتصادي بشكل فعال وواضح..؟ السبب الرئيس، أن الجامعات الغربية والعالمية التي تقدمت… يقودها علماء باتجاه أهداف عليا وطنية وعالمية، ميزانيات كبرى، مشاريع بحث علمي وطنية وعالمية، إستقطاب للكفاءات، بحث علمي تطبيقي منتج يجاري ويلبي متطلبات التكنولوجيا المتقدمة … وبالمقارنة… ماذا لدينا؟ جامعات بعضها بالإسم فقط والمحتوى لا يرقى… إدارات ضعيفة بيروقراطية روتينية غير خلاقة، صراعات الاستحواذ والتشبث بكرسي الرئيس؛ تشعرك أنك أمام عصابة أشرار...!، أهداف شخصية ضيقة، غياب الأهداف الوطنية العليا، كلشهات جاهزة من الإنجازات الكرتونية الفارغة والكاذبة، تخيلوا معي أخبارنا… تتمحور حول شخص الرئيس، إستقبل زار ودع… حلم، غضب، نكل… تآمر على زملائه، عطل ترقياتهم، اجتمع مع مدرسيه..! أي أن بعض جامعاتنا يتم إختزالها بشخص الرئيس، ويتم إغفال إنجازات الآلاف من أعضاء الهيئة التدريسية أو تحفيزهم أو وضعهم في دائرة الفعل، فالواقع إحباط وإحتقان كبير لدى أعضاء الهيئات التدريسية في بعض جامعات الواق واق، نتيجة تحكم وتجبر قلة من المرضى النفسيين بأمورهم الوظيفية، والتصيد لكل من يعبر عن رأيه ويخالفهم أو ينقدهم من خلال تلفيق التهم الكيدية ولجان التحقيق، والتي حولت بعض الجامعات إلى محاكم تفتيش يسودها إنحطاط أخلاقي بعد أن ذهبت الأخلاق..! (والأمثلة موجودة لمن يريد).
أما في الفعل التدريسي قبل وبعد الكورونا، فبعض جامعاتنا مدارس كبيرة، يتم تغييب دور الطالب، وتطوير شخصيته، وجعله خلاقاً، فنضعه في دائرة ضيقة من الخنوع لأسياده المدرسين ولإدارات الجامعة العرفية ونطلب منه في النهاية ان ينقُل المُثل العليا… ! هذه ممارسات البعض، ناهيك أن غالبية طلبتنا محملين من الداخل بسيل من الرفض والغضب وعدم الرضا، بدءا من معركة دفع الأقساط مروراً بالحلقة المفقودة بينهم وبين جامعاتهم بأساتذتها وإداراتها... ولا أعمم ولكن الغالبية هكذا، (والي مو مصدق يدخل قروبات الطلبة)، بالنتيجة التدريس ليس على ما يرام، وهنالك جيل كامل سيخرج مثقلا بالتجهيل وغياب القدوة، والمثل العليا للجامعة، ثم نأتي للبحث العلمي، وما أدراك ما البحث العلمي، جامعات تتفنن في تحويل البحث العلمي وربطه بالترقيات من خلال عملية أنانية ضحلة وسلسلة من التعقيدات الروتينية باتجاه تفريخ أبحاث موسومة بـ (سكوبس أو اي اس اي) او ما شابه بأي ثمن، واصبح النهج مكشوفاً للجميع، لا ترقيات… رد الترقيات لأسباب شكلية تافهة، لا يوجد دعم حقيقي أو حوافز للباحثين، المدرس الجامعي مهدد برزقه والفصل تحت طائلة تلبية رغبات تهدف تحقيق بطولات شخصية، آخر همها المصلحة العامة أو البحث العلمي بذاته..!
بحثا عن تصنيف عالمي غير مستحق ولا يجاري الواقع، حتى أن البعض صار يظن ويتحدث.. أن هذه الإدارات تتقاسم الغلة مع مكاتب بيع الأبحاث ودكاكين سكوبس وتجارته الرائجة للأسف، ولا يُفهم من كلامي أنني ضد البحث العلمي الراقي المنتج، المدعوم من الجامعة والحكومة والقطاع الخاص، وغيرها، والمساهم في تطورنا بكل الصعد، أما ما نقوم به، فلا يعد بحثا علمياً منتجاً مؤثراً، وأبحثوا عن الآف الأبحاث التي خرجت من جامعاتنا واربطوا بينها وبين الإختراعات أو الإضافات العلمية البارزة والمؤثرة، النتيجة تقترب من الصفر للأسف، ونفتخر ببعض النجاحات الفردية هنا وهناك.
جامعاتنا بعد السبعين مليون دعم من الحكومة العتيدة كما أعلن وزير المالية في خطاب الموازنة ، ستصبح في رخاء وبحبوحة…! سبعين مليون لكل الجامعات الحكومية..! ومديونية الجامعات تقترب من مئتي مليون، والدعم الحكومي للجامعات خلال 16 عاما اي من الفترة 2002 - 2019 بلغ مليار و160 مليون دينار، في حين أن الجامعات في العالم وبالأخص في امريكا لديها ميزانيات تعادل وتزيد عن ميزانيات الدول، ففي تغريدة للعالم والسياسي "ايان بريمر Ian Bremmer" رئيس مجموعة أوراسيا للعلوم السياسية الامريكية، ذكر ارقاما فلكية تخص الاموال التى تغذى الجامعات الأمريكية الكبرى وهي عبارة عن "اوقاف مالية و عقارية " يتم وقفها لصالح هذه الجامعات لتدر عليها عائدا من ثروات العديد من الاغنياء الاحياء و المتوفين دعما للنشاط التعليمى و الطلابى بالجامعات، (أي أن دعم الجامعات ليس بالضرورة حكومي، أين وقفياتنا للجامعات؟)، وتصل ثروات وميزانيات الجامعات الكبرى عشرات المليارات من الدولارات…ويخصص منها ميزانيات مليارية للبحث العلمي، وعلى سبيل المثال حدثني صديق لي والذي التحق أبنه بأحد مراكز البحث العلمي لإحدى الجامعات، بأن ميزانية المركز 2 مليار دولار، ومع كل هذا لا نجد من هذه الجامعات العريقة من يطل علينا كل حين مهووساً بإنجازاته الحقيقية، يعملون يطورون ينجحون ونتائجهم تتحدث عنهم، وعندنا نصرف كلام إعلامي ونجاحات هلامية بحاجة لميزانية تعادل ميزانية جامعة هارفرد… بمعني ليس هنالك تناسب بين ما نعلن ووضعنا الحقيقي وميزانياتنا.
نحو جامعات عالمية مؤثرة، يلزمنا تغييراً جذريا في الإدارات، والحوكمة والميزانيات والإرادة السياسية، وتمويل، وعمل منظم متكامل برؤى بعيدة المدى، منذ سنين نرى جعجعة ولا نرى طحناً، جامعات كلاسيكية تخرج أفواجا من الطلبة، مركزين على الكم دون النوع، لسنا من العالمية بشيء، رغم تسويقنا الوهمي لأنفسنا..!
لأن المقارنات الحقيقية تجعلنا نخجل من أوضاعنا… لنواجه الحقيقة لنرتقي لا من أجل أن نُحبَط ونجلد ذاتنا…! قال تعالى: « أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ « سورة الرعد –الآية17.
الجامعات العالمية طريقها غير ما نمارسة، فلا التعليم العالي كوزارة أو مجلس قبل التحدي، ولا بعض الإدارات الجامعية بمستوى الطموح… وابشر بطول سلامة يا مربع… حمى الله الأردن.