لا بد ان يقتنع النواب، ان للكلام كلفة كبيرة، والحصانة التي يحصل عليها النائب، لا تعفيه من المسؤولية السياسية، والأخلاقية، قبل المسؤولية القانونية، او احكام نيابته.
الذي يسمع كلمات النواب خلال جلسات الحصول على الثقة، ثم كلمات النواب التي سوف نسمعها عند مناقشة الموازنة، يدرك بشكل واضح، ان هناك اعتقادا ان الثوب القديم الذي لبسناه هو الثوب المناسب اليوم، فهذه الطريقة من قدح الحكومات فقط، بحثا عن الشعبية، دون حلول، والتصعيد في الكلام، والاسراف في العبارات الثورية والمعارضة، وتأبط البطولة، أمر لم يعد مناسبا، ولا حلا كافيا للازمات التي نعبرها.
نحن لسنا في سوق عكاظ، ولا في حفلة للكلام، واذا كان التعبير عن الموقف حق لكل نائب، فأن الأهم التغيير الجوهري والجذري، على كل المشهد الداخلي، والمفارقة هنا، ان كل هذا القدح، لم يمنع غالبية النواب من منح الثقة، لذات الحكومة التي تم قدحها، وهذه مفارقة كبيرة للغاية.
سنكون على مشارف مناقشات الموازنة، وستكون هناك نقاشات وتوصيات، وسنقرأ مطالبات مالية بحاجة الى عشرات المليارات، من حكومة مدينة وتعاني من العجز، واذا كان النواب يدركون مسبقا، ان لا مال متوفرا لدى الحكومة، فلماذا تشتد المطالبات بهذه الطريقة، الا اذا كانت من باب تسجيل الموقف؟
ترشيق الكلام فن سياسي لا بد ان يصبح سائدا هنا في البرلمانات، فبدلا من الافراط في الكلام، دون تحقيق أي هدف، لا بد من تغيير اليات العمل البرلماني، وانا هنا ادعو صراحة الى فتح الدستور الأردني من جديد، واجراء تعديلات على هذا الدستور، بشأن كل ما يخص العمل النيابي، إضافة الى اجراء تعديلات على النظام الداخلي، وتعديل قانون الانتخابات، والبحث عن صيغ جديدة مبتكرة، لتوفير وقت المملكة والعباد.
الذين يتابعون الحياة السياسية والبرلمانية، خبروا ومنذ العام 1989 اسرافا في الكلام، والمثير هنا، اننا بعد موسم الثقة، سندخل موسم الموازنة، وكأننا نعيد الحفل مرتين، هذا على الرغم من ان كثيرا من كلمات النواب في جلسات الثقة، كانت مالية في جوهرها وتحدثت عن قضايا اقتصادية ومالية، وحملت مطالبات لقطاعات واسعة، شعبية، ومهنية، او نصائح وتوجهات، فلماذا يكون مطلوبا من النواب والحكومة، والشعب، أيضا، تكرار المشهد مرتين، تحت عنوانين مختلفين، واستنادا الى آليات بحاجة الى مراجعة.
ليس سهلا فتح الدستور، وهناك من يرفض فتحه من اجل اجراء تعديلات كل فترة، لكن لا يليق بالأردن ان تبقى الآليات ذاتها، على مستوى الثقة ومناقشات الموازنة، وبقية آليات عمل النواب، من توقيع المذكرات، الى جلسات الاستجواب، الى حجب الثقة عن وزير ما، وحين نعبر ازمة صعبة، صحيا واقتصاديا، ونرى كيف يضيع الوقت على مدى أيام متواصلة في جلسات للعصف الذهني، والتعبير عن الموقف بكلمات مكتوبة او ارتجالية، ندرك ان الأوان قد آن لتغيير كل آليات عمل البرلمان.
القوالب التي وضعنا انفسنا فيها، لا بد من الخروج منها، فما زلنا نتحدث عن منطق الأرقام، عدد النواب الذين منحوا الثقة، عدد الذين حجبوا، والذين غابوا او امتنعوا، وهذا مجرد مثل لا يلغي ان الدلالات الفعلية اخطر من منطق الأرقام، أي دلالات المشهد، وهل يمثل النواب أساسا عينة عادلة من الأردنيين، واذا ما كان الخطاب الحاد والغاضب، يتطابق في جوهره مع موقف ذات صاحب الخطاب الحاد، بمنح الثقة لاحقا.
احد القوالب البائسة التي نعيشها، التصفيق لصاحب المفردات الغاضبة، وهي مجرد فورة، تنتهي ويتم نسيان صاحبها لاحقا، وهنا لا يراد ان نرى نوابا صامتين او مهادنين، بل يراد تغيير كل آليات العمل النيابي، بحيث تصبح اكثر تأثيرا، وتعبيرا عن ازمة بغير الخطابات الطويلة والمكررة، التي تكاد ان تكون نسخة من خطابات النواب السابقين، في مجالس نيابية سابقة، وكأننا نقرأ على شيخ واحد.
فتح الدستور، ومراجعة بعض مواده، خصوصا، ما يتعلق بالبرلمان، وتطوير النظام الداخلي للمجلس، وصولا الى تغيير قانون الانتخابات، امر مهم جدا، حتى يسترد البرلمان مكانه في الأردن، وبغير ذلك سنبقى بذات الطريقة التي خبرناها، قل كلمتك وامش، واقدح الحكومة بالكلام، ثم الحق الوزراء، لتسهيل طلباتك، وتمرير حاجات قاعدتك الانتخابية، جماعيا او فرديا.
نريد آليات قوية وملزمة ومؤثرة، بدلا من مواسم الكلام.
(الغد)