المئوية الثانية .. الطموح والتحديات
م. حمزة العلياني
17-01-2021 11:33 AM
بعد انقضاء قرن من الزمن على تأسيس الدولة الأردنية الحديثة، وما حققته من انجازات كبيرة بفضل القيادة الهاشمية الحكيمة ورجالات الأردن الاوفياء، حيث أستطاع الأردن أن يُسطر سرديته للصمود كمعجزة في ظل ضعف الموارد، وأن يبني دولة مؤسسات نفاخر بها رغم مخاضات صعبة وعسيرة خلال هذه العقود، لكنها أظهرت تماسك الأردن شعبا وقيادة مكنته في أن يلعب أدوارا اقليمية كبيرة وأن يكون النصير لقضايا أمته.
بعد مئة عام على الصمود، فالدولة تُبنى بالتقدم نحو فضاءات المستقبل لتُرسخ انجازاتها، وتُسابق الزمن لتحقيق التطور وخلق الفرص، فرغم الطّموحات، ما نزال في مراحلنا الاولى في تحقيق إصلاحات اقتصادية عميقة، حيث نعاني من تراكم ديون واعتماد على الاعانات الخارجية، وقدرة تنافسية دون مستوى إمكانايتنا، ولهذا جاءت الأوراق النقاشية الملكية لتأكد سعي جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين الجاد للإصلاح السياسي والإقتصادي والإجتماعي.
ربما أصبح اليوم اصلاح العقد الاجتماعي على قدر عالي من الأهمية، ولذلك يجب إعادة النظر في الدور الحقيقي للدولة في الاقتصاد. فبحسب المعطيات الديموغرافية الحالية، فاننا نعاني نسب مرتفعة في مؤشرات البطالة والفقر، وهذا تحدّي يتطلب من اصحاب القرار البدء في خلق الآف فرص العمل شهرياً فقط لمواكبة الأعداد المتزايدة من الساعين لدخول سوق العمل، فولي العهد سمو الأمير الحسين بن عبدالله حرص دوما على الاستثمار بطاقات الشباب حيث اكد "أن الأردن، الذي بُني بطموح وإرادة الآباء والأجداد، مستمر بالتقدم والبناء بهمة شبابه الذين هم أغلى ما يملك وهم عزيمته وأمله".
وهنا لابد من الاعتراف ان الحكومة لا يمكنها توفير هذه الآف من الوظائف الجديدة، ولا القطاع العام يستطيع استيعاب تلك الطاقات الشابة، فالحل الوحيد يكمن في إنعاش الاقتصاد لاستيعاب تلك الفئة من الشباب من خلال ترسيخ الشفافية، والمساءلة، والحوكمة في إدارة الشأن العام، وفتح المزيد من الأبواب أمام القطاع الخاص، إضافة لتعزيز دور الحكومة كجهة تنظيمية تراعي مبدأ تكافؤ الفرص في القطاع الإقتصادي.
حيث نسعى في الأردن للتطور والارتقاء بالخدمات الاجتماعية، كشفت جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) وبشكل مؤلم، مكامن الضعف في الأنظمة التعليمية والصحية، وهذا يتطلب برامج إصلاحية وفق خطط ومنهجية واضحة فقطاع التعليم لا يزال حبيس المناهج القديمة وأساليب التدريس البالية، كذلك القطاع الصحي بحاجة للتطوير، وأن تعمل الحكومة على استغلال مواردها بشكل رشيد، وتحسين حوكمة نظمها الصحي والتعليمي، وبحسب آخر تقرير لمؤشر رأس المال البشري الصادر عن البنك الدولي فإن الأطفال المولودين اليوم في المنطقة ستكون إنتاجيتهم أقل من النصف (57%) مما كان بإمكانهم تحقيقه لو استفادوا من خدمات تعليمية وصحية متكاملة.
وهذ يقودنا للثروة الحقيقية في الأردن كما أطلقه المغفور له الملك لحسين "الإنسان أغلى ما نملك"، فبناء رأس المال البشري الذي يعتبر أهم دور للدولة، يتطلب من الحكومة أن تبذل جهوداً هائلة لتوفير ما يحتاجه شبابها للمنافسة والنجاح في بيئة باتت التكنولوجيا تسيطر عليها بشكل كبير، وفتح المزيد من الفرص أمام النساء وتمكينهن اقتصادياً.
فعلى الدولة أن تتخذ خطوات شجاعة في الحيطة الاجتماعية، وتسعى إلى تحقيقها من خلال سياسات تخفف الأعباء التي لم تعد الدولة قادرة على تحمّلها، وتعيد توجيه الموارد الشحيحة نحو تعزيز رأس المال البشري وإعداد شباب اليوم لوظائف الغد. فالاقتصادات السليمة، يكون الدور الرئيسي للحكومة هو تنظيم الاقتصاد لتوفير مناخ يساعد القطاع الخاص ورواد الأعمال على التطور والنمو وفق مبادئ سيادة القانون ومبادئ واضحة لإقتصاد السوق، والتي من شأنها جلب الاستثمار الأجنبي والمحلي على حد سواء. ورغم التحديات، هناك الإنجازات الطموحة لتعديل المسار التنموي، من خلال إصلاحات رئيسية في القضاء، ومكافحة الفساد، والتي من شأنها أن تساعد في تحسين مستقبل الوطن وشعبه.
فالمشهد الاقتصادي الراهن يئن من الاعباء الثقيلة سواء من الضرائب والطاقة، ويغلق الباب أمام العديد من مستثمري القطاع الخاص، وما نحتاجه هو فتح الأسواق للمنافسة، وإقامة شراكات بين القطاعين العام والخاص، وإنعاش القطاعات الاقتصادية التي كانت ولا تزال تتسم بعدم الكفاءة أو الخمول. كما يتعين على الحكومة على إعتماد خطط عابرة للحكومات مع جدول زمني تتم مراجعتها بشكل دوري لتنشيط الإقتصاد، وأن تتحلى بالشجاعة السياسية والشرعية اللازمة لسن قوانين عادلة، واعتماد لوائح تنظيمية ملائمة، وفرضها بعدالة تحرص على تكافؤ الفرص، واعتماد سياسات اجتماعية تحمي الفقراء والفئات الأكثر ضعفاً.
تمكين القطاع الخاص لخوض غمار المخاطر العالية المقرونة بالعوائد المجدية وتنفيذ المشاريع الكبيرة (كالعاصمة الجديدة، مشاريع التحلية، مشاريع الزراعة الحديثة، سكك الحديد، التعدين، البتروكيمايات وغيرها من المشاريع الكبرى)، ستؤدي إلى تحول اقتصادي تساهم في مضاعفة الناتج المحلي الاجمالي، وتساعد في خلق فرصاً جديدة للعمل، تغرس الأمل في نفوس الشباب التي تلائم إمكاناته المهولة، ويطلق العنان لطاقات الملايين من الشباب الذين سيختارون حينها خلق الفرص وتحقيق الثروة في الوطن، بدلاً من الهجرة بمواهبهم خارجها.
حمى الله الأردن وشعبه وقيادته الحكيمة