دارت في الايام الماضية نقاشات على صفحات الجرائد حول ضرورة توسيع دائرة المشاركة الشعبية في الانتخابات النيابية المتوقعة العام الحالي, واتاحة المجال امام الاردنيين المغتربين للمشاركة في عملية الاقتراع لعضوية مجلس النواب, وهو مطلب عادل لا يمكن نكرانه لكن الظروف السياسية في الاقليم تؤخر تنفيذه.
وربما كان من الاجدى التفكير في الفئات الاردنية التي هي على ارض الاردن, لكنها محرومة من ممارسة حقها الدستوري في الانتخابات النيابية والمقصود هنا العسكريون الاردنيون الذين سبق لهم ان شاركوا في الانتخابات النيابية حتى عام ,1956 لكنهم اصبحوا فئة منسية,لا احد يسأل عن حقهم في الانتخاب حتى مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية لم تتطرق لحقوقهم الضائعة.
المعروف ان قانون الانتخاب لمجلس النواب ينص على وقف ممارسة العسكريين بكل فئاتهم لحق الاقتراع وهذا الظلم للاسف ينظر له البعض بانه يأتي من باب "سد الذرائع" ومنع العسكر من التأثر بالاجواء الحزبية والخوف من توجيه الدولة للناخبين العسكريين نحو هذا المرشح او ذاك, وهذا تفسير قاصر لان مشاركة العسكر في الاقتراع ليست "مامورية" يقومون بها بل هي ممارسة لحق دستوري.
ان هذا الاتهام ظالم لا محالة لان ممارسة العسكريين حقهم في الاقتراع هو الاصل والاستثناء هو منعهم من ممارسة حق كفله لهم الدستور ولا يمكن ربط الامر بتزوير الانتخابات لان الحكومات اذا ما نوت السير في التزوير او التأثير على نتيجة الانتخابات فلن يوقفها منع العسكريين من الانتخاب او التصريح لهم.
وللاسف فان حق العسكر في الاقتراع ضائع بين الحكومات التي تسكت عنه ولا تريد اعادته لاصحابه خوفا من الاتهام بالتلاعب بالانتخابات وكذلك مؤسسات المجتمع المدني والاحزاب السياسية التي تخشى ان يكون الناخبون العسكريون عرضة لتأثير الحكومة.
وعلى الحالين فان هذا الاعتقاد خاطىء, ومناقض للدستور , فكيف نثق بالعسكري الاردني في حماية الحدود والامن ولا نثق به اذا ما وصل الى صندوق الاقتراع, واين من ذلك اسس الديمقراطية والعادلة ؟ وهل يعني الادلاء بالصوت ممارسة للعمل السياسي ؟
الاردن للاسف من الدول القليلة في العالم التي تمنع عسكرييها من المشاركة في الانتخابات, حتى لبنان والعراق والسلطة الفلسطينية يمارس العسكر حقهم الطبيعي في انتخاب ممثليهم في مجلس النواب, والخوف من "توجيه" الناخبين العسكريين ليس واقعيا لان المقترع مدنيا كان ام عسكريا ليس لديه رقيب الا ضميره.
ويبدو ان المشرع الاردني عندما صادر حق العسكريين في الاقتراع كانت البلاد في مرحلة الاحكام العرفية والاصطدام بين الدولة والاحزاب السياسية التي تم حظرها بعد اقالة حكومة سليمان النابلسي والخشية كانت من تأثير العسكر على العملية الديمقراطية وقطع الطريق على الحكومات للتدخل في الانتخابات النيابية, والثاني الخوف من اختراق الاحزاب السياسية للجيش وخاصة بعد تجربة "الضباط الاحرار", فالدولة كانت ضعيفة والانقلابات العسكرية تحيط بنا من كل جانب.
اما الان وقد اصبحت العملية الديمقراطية راسخة والانتخابات شكلا اساسيا لا يمكن تجاوزه في النظام العالمي والدولة اليوم قوية وقادرة على فرض الامن والنظام العام ولدينا قانون يعاقب على جرائم الانتخاب, فان الاستمرار في وقف الحق الدستوري لمنتسبي القوات المسلحة في الاقتراع, فيه انتقاص من حقوق تلك الشريحة.
ان مشاركة العسكريين في الاقتراع لا تعني ان الانتخابات مزورة مثلما ان استثناءهم لا يعطي الحكومة حسن سلوك بان الانتخابات حرة ونزيهة, فالامر مرهون بالاجراءات التي تضمن النزاهة والشفافية والحياد0.
العرب اليوم