بداية الحديث يا دولةَ الرئيس الذي نحترمُ و نستبشرُ بصوتِه الهادئ و عَربيتِه الفصيحة الخيرَ و الأملَ المنشود، الممدود تماما كانبساطِ سهولِ إربدَ و حوران فاكتسبت الهدوء من أرضِ إربدَ موطنِ العلمِ و العلماء.
نستبشرُ و نتأملُ الفلاحَ و نرنو إلى النجاح الذي أَشرْتم إليه بكلمتِكم التي غَازَلت مشاعرَ الأردنيين في مجلس النوابِ ،و بَيَنْت حجمَ القربِ من المجتمع الأردني فكانت نظراتُك بها من الجَديّة و الشغفِ ما يَكفيْنا حتى عن الكلام.
دولةَ رئيس الوزراء الشاب اختاركم الملك الشاب كي تكونوا درعاً حصيناً لما يُواجِهُ الأردن من تحدياتٍ على مختلفِ الأصعدةِ فمكانةُ الأردنِ و مَوقعُه بين الدول عالٍ كعلوِّ هامةِ مليكه و هامةِ شبابِه المُقَدَّر.
نعلم يا دولةَ الرئيس أنَ المرحلة التي نعيشها و إِيَّاكم معقدةٌ ومتناثرةُ الأولوياتِ، وندرك أن الوقتَ ليس كباقِ الأوقات فأرقامُه تسارعُ جميع الساعات التقليدية.. وجُلِّ التقاويم التي طويناها.
دولة الرئيس يبقى الأمل سيد كل محنة وتبقى الهمة وقودنا و محركنا نحن الشباب ، فكما تعلمون فإن سيد البلاد قد أولى الأمن الصحي أولويةً و اهتماماً و متابعةً شخصية فكانت إشارة لنا جميعاً أن نُمْعِنَ النظرَ و ندقق بشؤون المنشئات الصحية.
وبصفتي طبيب أعمل بوزارة الصحة ملاذ الأردنيين وقت الشدة أحبَبْت أن أشاطرَكَ بعض الأفكار بصفتنا أردنيين نحب و نأمل أن تكون مؤسساتنا بخير و سلام.
دولة الرئيس أعلم أن حجمَ التركة وحجمَ الموروث ثقيل عليكم و على حكومتكم و أرجو الله أن تكون حكومة غير تقليديةٍ بالحلول والأدوات.
سأتكلمُ معكم دونَ حواجز أو رتابة كأخٍ كبير آملُ أن يسمعَ أخاً صغير وسأنطلقُ من جملة "مش كله تمام سيدي".
بعد مئويةِ دولتِنا أين وزارة الصحة من مُنْتَفِعِيها و موظفيها ؟
بعد مئوية دولتنا أين وزارة الصحة من أبحاثِها العلمية و السريرية؟
بعد مئوية دولتنا أين وزارة الصحة من تدريبِ أطبائها و تأهيلهم؟
فبعد الإجابة عن أسئلةِ أين أقولُ لكم أنها في الدَرْكِ الأسفل من أي اقتران، ترى إذا ما نظرنا إلى اقتران أعداد الأطباءِ الإختصاصين في وزارة الصحةِ لماذا نَرَى في كل سنة انخفاضَ أعدادهم بشكل ملحوظ؟
ترى إذا ما ذهبنا إلى أكبرِ قلعةٍ في وزارة الصحة لماذا نسمع جملةَ لا يتوفر أسرة ! ترى إذا ما سألنا أحدَ أطباءِ وزارة الصحة عن آخرِ محاضرةٍ علمية أو ندوة طبيةٍ شاركَ بها فمتى ستكون إجابته؟!.
دولة الرئيس تعاني وزارة الصحة من سوءِ التنظيم و الإدارة منذ فترةٍ بعيدة فيأتي وزيرٌ و يذهبُ آخر و النخبةُ الإداريةُ المخمليةُ و التي هي أساس العمل الوزاري لم تَعْكِفْ على التطويرِ و بثِ طرقٍ مبتكرةٍ تتماشى مع الأولوياتِ فالإنذراتُ و الاستجواباتُ و النقلُ التَعَسُفي من أهمِ أدواتِها و أكثرِها استخداماً، مما ساعد و يساعد إلى الآن بهجرةِ الأطباء و بَحْثِهم عن بيئةِ عمل صِحيةٍ صحيحةٍ بعيدةٍ عن شلليةِ الإدارات و تهديداتها.
قد يدعي البعض أن سببَ هجرةِ الأطباء هو البحث عن واقع مالي أفضل و لكنه ليس السبب الرئيسي و المباشر لهجرتهم ، فالشللية الإدارية و نظام"مشي يومك" و ضعف التدريب و بيئات العمل المنفرة و اتباع نظام "دبر حالك" أقوى حجة و برهانا لتركهم لوزارة الصحة.
ربما أتَتْ جائحةُ كورونا و كَشَفَت حجمَ الوهن الإداري الذي تَمُّر و مَرَت به وزارتنا العتيدة ،و كان استقطاب النخبِ العلمية و الإداريةِ المخرجَ الوحيد لتفادي الفأس قبل أن يقع في الرأس.
تعلم الإدارات المتجذرة حجم معاناة الأطباء في عملهم فلا مرافق صيانة مصانة و متابعة لهم ، ولا منامات تليق بما يقدمونه من خدمة ، و لا مصفات لسياراتهم، فيغدو الطبيب صباحا ليجد سيارتَه مكسورةَ الزجاج أو مسروقةَ العجلات بعد مناوبةٍ شرسة في أحدِ المستشفيات و من هنا أرى أن يُسَلَم ملف أمن المستشفيات لنشامى الأمن العام.
دولة الرئيس ما زالت رائحة سيرين التي ضَاقَت بها الأرض لسرير يحتضنها في أكبرِ قلعةٍ طبيةٍ في وزارة الصحة، تفوحُ في جنباتِ وأورقةِ مستشفياتِ وزارةِ الصحةِ قاطبة، فالمشكلة يا دولة الرئيس ليست بسرير إنما بحسن التدبير.
دولةَ الرئيس إذا وصلتك رسالتي هذه فاعلم علم اليقين أن أحدَ أهمِ الطرق و السبل لرفعةِ وزارةِ الصحةِ قبلَ ميزانيتها هو تغيير الواقع و النهج الإداري و القضاء على الشللية و هكذا لن تكونَ هناك هجرة لجهابذةِ وزارة الصحة الذين افتقدناهم بسبب تلك السياسات الإداريه، و لن تتكرر مأساة سيرين مرة أخرى.