في كلّ مرّة، تدفعنا الأحداث للعودة إلى مربّع التوطئة للقرارات الرسميّة وأهميّة تشكيل رأيٍ عامّ متقبّلٍ لها، ولعلّ آخر تلك الأحداث الترويج لمطعوم كورونا وحالة العزوف التي تواجهه.
فبعد أن تجاوزت أعداد ونسب طالبي مطعوم الإنفلونزا الموسميّ الكمّيّات التي كان من المفترض وصولها والتي تأخرت عالميّاً، نرى في المقابل عزوفاً عن اللقاح المجّانيّ، أي إقبالٌ على لقاحٍ بثمن يدفع ضرراً من مرضٍ أقلّ خطورة وإحجامٌ عن لقاحٍ مجّانيّ يقي من مرضٍ قاتلٍ مُميت!
ولا نلقي باللّوم على الشّعب الذي من حقّه وأن تُعرض له تفاصيل وموجبات أيّ جديد، بل اللائمة على وسائل التعاطي الرسميّة التقليديّة التي تنام عن التهيئة والتوطئة ثمّ تصحو بطريقة مريبةٍ تدفع بالجمهور - شأنه شأن أيّ جمهور - نحو الشكّ والتأويل، لاسيّما وأن مأمونيّة العقار لم تتدرّج هي الأُخرى حتى تقنع المستهدفين به لا بل أُنكِر على الجمهور رغبته بمعرفة حقيقة التجارب المخبرية للقاحات.
فمن يطالع التصريحات الرسمية والتنفيسات المقصودة يشعر حقّاً أن الحكومة ترجو المواطنين لأخذ اللّقاح وكأن الأخيرين لا يكترثون لمصلحتهم، ولابدّ لهذه العقليّة والوسيلة أن يتغيّرا، وأن تخاطبا العقول بتدرّج وسلاسة ومنطقيّة مع بيان الحقائق الكاملة، أي ضمن خطّة إعلاميّة مدروسة النتائج والآثار لا بطريقة فزعويّة كمعظم التحركات الرسميّة.
إنّ الأجندة الرسمية معلومة معدًة سلفاً، وخيارات الحركة معروفة في الغالب، ويلزمها فقط مطبخ تسويق يأخذ على عاتقه تقديم الحُجّة والوسيلة المقنعة لأيّ جديد والتهيئة له، ونحن نتحدث هنا بصورة عامة لا عن اللقاح فحسب.
ولعلّ الدروس المستفادة في هذا تؤخذ من المدرسة العسكرية التي تُحسن زرع العقيدة والقابلية وحسن التنفيذ، فالمطبات القادمة متعددة وكثيرة يلزمها إنفتاح ذهنيٌّ رسميّ وسعة في الصدور للاشتباك مع الجمهور ومقارعة الحُجّة بالحُجّة ضمن آليّات مدروسة التأثير والأثر صارمة في تطبيقها.
والله من وراء القصد
حمى الله الأردن قيادة وشعباً