الصراع على "السلفية الجهادية"
د. محمد أبو رمان
13-06-2007 03:00 AM
بانتظار تصدير "مراجعات" جماعة الجهاد المصرية، إذ تشير المعلومات أنها تخضع للمسات الأخيرة، فإنّ هذه المراجعات تحمل دلالات وأبعاداً متعددة ليس، فقط، على صعيد حالة الجماعات الإسلامية المسلحة المصرية وإنما على صعيد المناظرة الفكرية في أوساط التيار العالمي لـ"السلفية الجهادية".السيد إمام بن عبدالعزيز الشريف، أمير جماعة الجهاد سابقاً (1987-1993) والملقب بالدكتور فضل أو عبدالقادر بن عبدالعزيز، الذي اعتقل في اليمن ورحل إلى مصر عام 2004، هو من يقود المراجعات الحالية، ومكانة إمام الشريف أبعد من الجانب الحركي، فهو معد كتاب "العمدة في إعداد العدة" الشهير والذي يمثل مرجعاً أساسياً لأبناء التيار السلفي الجهادي وأنصاره، وكذلك كتاب "الجامع في طلب العلم"، وهما كتابان اعتُمِدا في التدريس في حلقات شبكة القاعدة ويعدان من أبرز أدبياتها، وإن كان إمام شريف قد اتهم القاعدة بتحريف كتاب "الجامع" واختصاره بما لا يفي تماماً بمراد المؤلف. مع أنه انقطع حركياً لسنوات طويلة عن جماعة الجهاد إلا أنّ إمام الشريف لا يزال بالنسبة لأنصار التيار هو أحد أبرز المنظرين والرموز، في حالة مماثلة، إلى درجة كبيرة، بقصة "أبو محمد المقدسي" في الأردن.
وفقاً لإمام الشريف فإن المراجعات ستصدر في كتاب صغير بعنوان "وثيقة ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم"، والكتاب يهدف إلى مواجهة ما يعتبره شريف "مخالفات شرعية" في الصور المستحدثة للقتل "باسم الجهاد" وأبرز هذه الصور القتل على الجنسية وبسبب لون البشرة أو الشعر والقتل على المذهب، وقتل من لا يجوز قتله من المسلمين وغير المسلمين، والإسراف في الاحتجاج بمسألة التترس لتوسيع دائرة القتل، واستحلال أموال المعصومين وتخريب الممتلكات. إذ يعتبر شريف هذه الأعمال كلها من "العدوان الذي نهى الله عنه حتى في حال الجهاد".
ومن المعروف أنّ مراجعات الجهاد تأتي بعد المراجعات الشهيرة للجماعة الإسلامية (شقيقة تنظيم الجهاد) التي اشتدت بعد عام 1997 في مصر وصدرت في عدة كتب عام 2003 وأدّت إلى إطلاق سراح القيادة التاريخية للجماعة الإسلامية، وإن كان ما تسرب من معلومات عن مراجعات الجهاد يوحي باتزان وحذر أكبر، على غير ما يراه بعض المراقبين، وقد أطلقت السلطات المصرية عدداً من قيادات وأفراد الجهاد ويتوقع أن تستمر حملة الإفراج بصورة أكبر بعد صدور المراجعات، بخاصة بعد مباركة كل من عبود الزمر وطارق الزمر للمراجعات من خلال تصريح مقتضب بعنوان "مبادرات الجهاد نحو غد أفضل"، وقد طالب التصريح بانفتاح سياسي وانهاء احتجاز المعتقلين، ما يعكس بدرجة كبيرة الموقف المعروف لعبود الزمر الذي يريد ألا تقف "الصفقة التاريخية" عند حدود إطلاق سراح المعتقلين، وإنما تحقيق مكاسب سياسية لهذه الجماعات أمام الرأي العام المصري.
ثمة دلالات متعددة ومتنوعة في "المراجعات"، لكن الدلالة الأهم - في تقديري- أنّ هذه المراجعات تكشف مستوى الصراع الشديد اليوم داخل تيار "السلفية الجهادية"؛ بالتحديد بين القاعدة التي تمثل الوجه الحالي والقيادة الجديدة للتيار وبين القيادات التاريخية التي أسست المسار الأولي للسلفية الجهادية، بصورة خاصة في مصر من خلال خلايا تنظيم الجهاد ومن ثم الجماعة الإسلامية.
ويمكن رصد ملامح هذا الصراع بوضوح وكثافة في السنوات الأخيرة؛ فقد استبق أيمن الظواهري، الرجل الثاني في القاعدة، عملية المراجعات بالإعلان عن انضمام عدد من قيادات الجماعة الإسلامية إلى القاعدة(أغسطس 2006)، تلا ذلك شريط مصور لمحمد خليل الحكايمة، الذي عرّف عن نفسه بأنه أحد قادة الجماعة الإسلامية وأنه يمثل قيادات أخرى، خارج مصر، كمحمد الإسلامبولي(شقيق خالد الإسلامبولي الذي قتل السادات) ورفاعي طه ومحمد مصطفى المقرئ، ويؤكد في الشريط انضمام هؤلاء للقاعدة.
ثم أسس الحكايمة موقعاً باسم "قاعدة الجهاد في أرض الكنانة"، بعنوان "الثابتون على العهد" (ما يلمز بقادة الجماعة الإسلامية في الداخل وبمراجعاتهم)، ودخل الموقع الالكتروني في صراع إعلامي وسياسي كبير وحاد مع الموقع الالكتروني للجماعة الإسلامية في مصر، التي لم تتوان بدورها عن توجيه انتقادات لعمليات القاعدة والجماعات المرتبطة بها كأحداث الحادي عشر من سبتمبر وتفجيرات الرياض وغيرها.
وفي موازاة المرحلة الحالية التي تشهد مخاض الإعلان عن مراجعات الجهاد تنشط القاعدة ومؤيدوها ببث دعاوى الاتهام والتشهير بقادة المراجعات وبخضوعهم لرغبات السلطات المصرية، في الوقت الذي تنشر فيه مواقع قريبة من القاعدة بيانات ضد المراجعات، كالبيان الذي وقع عليه من يسمون أنفسهم "الثابتون على العهد داخل السجون المصرية" ويتحدثون فيه عن رفضهم لمبادرة الجهاد ويتهمون القيادة التي تقوم بالمراجعة بالتآمر عليهم مع السلطات المصرية حتى داخل السجون.
محك الاختلاف والفجوة التي تتجذر بين القاعدة من جهة وحركات السلفية الجهادية "التاريخية" من جهة أخرى يعود إلى أسباب رئيسة في مقدمتها اختلاف الظروف السياسية والتاريخية؛ فقادة كل من الجماعة الإسلامية والجهاد دخلوا السجون منذ فترة طويلة ولم يعايشوا التجربة الجديدة للقاعدة، بخاصة بعد الحادي عشر من سبتمبر، إلاّ من خلال ما يصل إليهم من الإعلام أو المعتقلين القادمين من الخارج، في الوقت الذي وصلت فيه تجربتهم المسلحة إلى طريق مسدود في مصر، وأدت إلى انعزالهم بخاصة بعد مذبحة الأقصر عام 1997.
أمّا إمام الشريف فإنه على الرغم من الفترة الطويلة التي أمضاها في الخارج إلاّ أنه لم يوافق على التحولات الجديدة التي سطرها الظواهري بخاصة في عملية الانتقال الفكري- الاستراتيجي من أولية "العدو القريب" إلى "العدو البعيد"، التي ظهرت بوضوح في كتاب الظواهري "فرسان تحت راية النبي". أي أن إمام الشريف، عملياً، لم يكن داخل القاعدة في فترة التحولات والتطورات الفكرية والاستراتيجية التي فرخت صورة جديدة مختلفة في كثير من تفاصيلها عن الصورة القديمة للسلفية الجهادية.
بالمناسبة؛ فإنّ "أبو محمد المقدسي" أحد أبرز المنظرين للسلفية الجهادية، هو الآخر قام بمراجعات ووصل إلى نتائج قريبة لما خرج به إمام الشريف، بخاصة في كتابه "رسائل الجفر" ثم مقاله المعروف "الزرقاوي مناصرة ومناصحة" الذي وجه فيه انتقادات قريبة تماماً من الانتقادات التي يتحدث عنها الشريف، ومن المعروف أنّ موقف المقدسي المذكور أدى إلى أزمة حقيقية بينه وبين أتباع الزرقاوي في حينها. أمّا ما كتبه الصديق العزيز د. ضياء رشوان، في صحيفة الأهرام(ا- حزيران) بعنوان "مراجعات الجهاد المصري والحالة الجهادية في العالم" حول رفض المقدسي للمراجعات المصرية، فإنّ المسألة فيها التباس صغير يتمثل بأن القصيدة المذكورة - التي كتبها المقدسي في آيار المنصرم، بعد وفاة والده، دون أن يتمكن من رؤيته بسبب الاعتقال- يتحدث فيها المقدسي عن مراجعات الجماعة الإسلامية لا عن مراجعات الجهاد في سياق تأكيده على منهجه وعلى عدم تقديم تنازلات ومساومات، وهذا قد لا ينطبق بالضرورة على مراجعات السيد إمام الشريف التي لم تصدّر إعلامياً بصورة واضحة بعد.
m.aburumman@alghad.jo