وفقا للدستور فإن الأردنيين متساوين أمام القانون وعليه فإن الإدارة العامة الأردنية ومؤسساتها كافة ينبغي أن تتعامل مع الموطنين وفقا لنصوص الدستور وهذا يستلزم بالضرورة أن يتم ترجمة هذه النصوص وتجسيدها في التعيينات والامتيازات والاختيار للمواقع القيادية وفقا لجدارة وكفاءة من تنطبق عليهم شروط الوظائف المعلن عنها.
وعندما نتحدث عن جدارة المتقدمين فإننا نفهم من ذلك قدراتهم ومؤهلاتهم الشخصية والفنية وبالتالي فإن تطبيق معايير غير معلنة على المتقدمين مثل المعايير الأمنية وموافقة المخابرات العامة هو بالتأكيد خرقا لمواد الدستور ونصوصه وروحه.
كل من يعمل في الدولة بوظائف قيادية وغير قيادية يجب أن يحتصل على موافقة أمنية، وكل من يتم تعيينه في الجامعات أكاديمي أو إداري يجب أن يحصل على موافقة أمنية، وكذلك في مستشفيات وزارة الصحة.
وهنا نتساءل ما علاقة النواحي الأمنية في تعيين طبيب مسالك بولية أو أخصائي عقم وأمراض تناسلية أو غيرها! وما علاقة الجوانب الأمنية والاتجاهات السياسية بأستاذ كيمياء عضوية، أو فيزياء نووية، أو صيانة الآثار والمصادر التراثية!.
أما مجلس التعليم العالي وتشكيل اللجان للتقييم القيادات الجامعية فكل ذلك ليس عن الاعتبارات الأمنية ببعيد.
هذا وضع الجامعات والتعليم العالي ولا نريد الحديث عن الانهيار المالي لمعظم الجامعات الرسمية بفعل قرارات غير صحيحة تتعلق بطلبة يدرسون بالمجان دون أن تتحمل أي جهة تكاليف تعليمهم.
أما في مجال الحريات العامة فالوضع أسوأ مما يعتقد البعض أو مما يكتب بعض الكتاب الأفاكين المسحجين وللأسف أن بعضهم أكاديميين وصلوا لدرجة من الإسفاف في المدح والممالئة لم يصلها كثيرون من قبلهم.
عن أي حريات نتحدث ونحن نرى تربويين "يجرجرون" ويضربون من أمام مجلس الأمة بيت الشعب.
عن أي حريات نتحدث وأسماء يصعب ذكرها هنا ممن اعتقلوا وأفرج عنهم أو ما زالوا معتقلين بتهم قدح، والإساءة للمؤسسات.
لا أعلم ما الخطر الذي يشكله رسام كاريكاتير، أو كاتب مقال سياسي ناقد، أو أكاديمي تعرض لبعض الأجهزة الأمنية منتقدا أداءها أليس ذلك يأتي منسجما مع المادة (17) من الدستور الأردني والتي تتحدث عن حق الأردنيين بمخاطبة السلطات العامة؟
ما الخطر من التوجهات السياسية للدكتورة ديما طهبوب! وهل هذه التوجهات تؤثر على الجامعة الأردنية أكثر من تأثيرها على السلطة التشريعية؟ وهل توجهات الإخوان المسلمين هي أصلا تشكل خطر على الدولة الأردنية؟ وإذا كان الإخوان المسلمين يشكلون خطرا كيف يمكن تفسير تعيين الدكتور ارحيل غرايبة أبرز منظريهم السابقين وأمين حزب زمزم سابقا رئيسا لمجلس أمناء المركز الوطني لحقوق الإنسان علما أنه كان ممنوع عليه أن يعمل في أي جامعة رسمية لمدة عشرين عاما.
أما في مجال الفساد ومكافحته فالحديث ذا شؤون وذا شجون فقد مل الأردنيون وكلوا من الكلام المكرور والجمل المقعرة "بالضرب بيد من حديد على الفساد والمفسدين". إن انتشار الفساد في الأردن غير مسبوق، والمكافحة متواضعة وهي ذات طبيعة إعلامية وتصريحات جوفاء. ونعتقد أن بعض المخلصين والمرشدين لبؤر الفساد والفاسدين أصبحوا هم محل شبهة واتهام وكأن الدال أو المبلغ عن الفساد كفاعله.
لا نبالغ إذا قلنا بأن بعض من يتم اتهامهم ويتركون للدفاع عن أنفسهم ونزاهتهم هم الانقياء المخلصين في حين أن الفاسدين يتمتعون بالحرية. مكافحة الفساد تحتاج إلى شفافية ومعلومات للمواطن عما آلت إليه الأمور وعقوبات معلنة وتنفيذ حقيقي لهذه العقوبات.
إن الاستقرار يعتمد على العدل والإنصاف والابتعاد عن الجور والظلم والتعسف فهل من دروس تستفاد من تجارب من حولنا؟
الاجهزة الأمنية والعاملين فيها هم أبنائنا ونريد لهم أن يؤدوا الأدوار الأمنية المناطة بهم ولكن ليس لهم أن ينهضوا بأدوار سياسية أو أدوار تتعارض مع المهام والوجبات الفنية والأكاديمية لكثير من مؤسساتنا الجامعية وغير الجامعية.
المواطنون يقبلون بالفقر إذا شعر هؤلاء أنهم متساوون حتى في الفقر وحتى في القسوة وحتى في العوز والبطالة ولكنهم يصبحون قنابل موقوتة إذا شعروا بأن الظلم هو صديق الفقراء الذين يعيشون على هامش المجتمع وأن شرائح أخرى تتنعم بحقوق مزيفة وامتيازات وألقاب مصطنعة.
الأردن لم يعد ذات الأردن الذي عهدناه وألفناه على مدار عقود من السنين. لا نريد أن يصبح الوطن موحشا لا سمح الله ولا نريد أن تهتز صورة الدولة بأذهان الأردنيين.