العلم المختزل في فن اللامبالاة
د. نضال سالم النوافعة
14-01-2021 12:32 PM
"دليل غير مجامل إلى العيش باستقامة والعثور على السعادة مواضع مؤلمة أحيانًا.. كتاب كله أفكار تخالف الحدس المعتاد، لكنها منطقية جدًا في أحيان كثيرة. كتاب تسرّك قراءته، ويستحق القراءة مرة أخرى، (كيركوس ريفيوز)".
تطالعنا في أحيانًا متفرقة مجموعة من الكتب التي تحمل مسميات غريبة نوع ما، لكنها تضم في طياتها علمًا وفكرًا عميقًا، ودروسًا واقعية في الحياة، ودائمًا ما نستعين بعمق وجمال لغتنا العربية للغوص في طياتها وتحليلها ؛ للخروج بكل ماهو مفيد، فمن بين هذه الكتب كتاب" فن اللامبالاة للكاتب الأمريكي مارك مانسون ".وللوهلة الأولى عند قراءة العنوان يصيبنا نوع من الشك، فنسأل أنفسنا هل أراد الكاتب باللامبالاة أن نكون غير مبالين في جميع أمور حياتنا ، أم يرمي إلى شيء آخر؟، وبعد الغوص في طيات الكتاب نجد أن الكاتب أراد منا ألا نكون مبالين بكثير من الأشياء التي لا قيمة ولا معنى لها في حياتنا ، وأن نسلطّ جلّ اهتمامنا على كل ما يحمل قيمة ومعنى حقيقي في حياتنا، فمثلا ما القيمة التي نجنيها من الحزن على خسارة فريقنا المفضل في المباراة؟ ، أو من خيانة البطل لممثلتنا المفضلة في المسلسل الذي نشاهد؟، فهل هذا يحمل قيمة لدينا؟، جميعنا نبحث عن السعادة في كماليات الحياة، ونمضي جلّ أعمارنا في مواصلة البحث عنها متناسين أن السعادة تكمن داخلنا ، فنحن من نصنع سعادتنا، بتركيزنا على جميع الأشياء التي تحمل لنا قيمة ومعنى، ونبتعد عن كل ما ليس له قيمة. .
إذا ما أمضينا حياتنا مهتمين بكل شيء ، وبكل شخص من غير تفكير واعٍ ، ومن غير انتقاء، فأننا سنخسر كل شيء، فإذا كانت عندنا القدرة على شيء ولو بسيط من اللامبالاة اتجاه الألم، فاننا سنصبح أشخاصًا لا يمكن قهرنا، وعدم الاهتمام لا يعني أننا غير مكترثين مطلقًا بهذه الأشياء التي نعتقد أنها مهمة بالنسبة لنا ، بل يجب علينا الاهتمام بالقدرالذي يريحنا، وعلينا أن نبحث دائمًا عن الأشياء التي لها معنى حقيقي في حياتنا، والابتعاد عن الاشياء التي لا قيمة لها، فإذا لم يكن عندك شيء ذا قيمة عندها ستوجه اهتمامك إلى الأشياء التي لا قيمة ولا معنى لها ، وإذا ما ركزنا على الأشياء ذات المعنى الحقيقي في حياتنا عندها سنصل إلى( النضج)وهو عدم الاهتمام إلاّ بالأشياء التي تستحق الاهتمام بها. فإذا أردت أن تكون سعيدًا في حياتك، فعليك أن تحوّل ألمك إلى أداة في يدك؛ لتساعدك على النهوض وتجاوز كل العقبات، وأن تحوّل معاناتك إلى طاقة إيجابية تنطلق بها نحو النجاح، وهذا ما يعرف بفن تحويل الطاقة الكامنة في الألم إلى أشكال منتظمة تزينها شعاعات ذهبية منسوجة من خيوط الرضا النفسي والسلام الداخلي.
الحياة قائمة على المشكلات، والسعادة تكمن في حلّ هذه المشكلات ، والحياة التي تخلو من المشكلات حياة فارغة لا قيمة لها، والمعاناة أمر مفيد من الناحية السيكولوجيّة لدى الإنسان، فهي دائمًا ما تحث على التغيير، فلولا المعاناة لما سعى الإنسان إلى التغيير، فالحياة نفسها نوع من أنواع المعاناة، وهي ما تولّد الصراع الداخلي عند الإنسان عند الاهتمام الزائد بها. وعلينا الإسراع دائمًا إلى حلّ المشكلات التي تواجهنا في الحياة، لا إلى تأجيلها باستمرار، حتى لا نضطر إلى مواجهتها كلها دفعة واحدة. فالسعادة تكمن في الألم" ما الألم الذي أنت راغب في تحمله أو قادر على تحمله؟"، واعلم أن الطريق إلى السعادة، طريق مغروس بالأشواك والخيبات، وتتطلب نضالًا كبيرًا من أجل الحصول عليها، فإذا أردت النتيجة عليك الصراع من أجل الوصول إليها، فالصراعات هي التي تحدد النجاحات، وخلق نجاحات وهمية هو في الحقيقة الطريق إلى الفشل الدائم. الإنسان لا يكون استثنائيًا ناجحًا في كل مجالات العمل، فمن يكون ناجحًا في عمل ما قد يكون فاشلًا في عمل آخر، فإذا ما أردت أن تكون استثنائيًا ناجحًا عليك العمل على تطوّير نفسك وتحسينها دائمًا، مع القناعة التامة بأن العظمة والاستثنائية لا تكون باختصار حياتك على قضية قد تكون ضارة أو غير مجدية بالنسبة إليك، ابحث دائمًا عمّا يتناسب مع طموحاتك واهتماماتك في الحياة، واختر المعاناة التي تريد أن تقاتل من أجل تحقيقها حتى لا تكون نادمًا في النهاية، أنت المسؤول عمّا يحدث في حياتك، وعليك الجلوس دائمًا مع نفسك وتقييم كل الخيبات التي مرت في حياتك؛ لتخرج بنتيجة إيجابية للوصول إلى ما تريده، باختصار" الولادة من جديد، كما يقول ويليام جيمس" فإذا ما أردنا أن نتحسن في حياتنا ، يجب علينا الابتعاد عن اليقين بحدوث الأشياء والاستسلام لها، وينبغي علينا البقاء دائمًا في حالة شك فيها حتى تحدث، فاليقين لا يكون إلا بالموت، الموت هو الشيء الوحيد في الحياة الذي نؤمن بيقين حدوثه، وكل شيء غير الموت قابل للتغيير، علينا أن نبحث دائمًا عمّا نحن مخطئون فيه، ومن ثم نعمل على تغييره؛ ليتحول الخطأ إلى الصواب، ففي كل مرة نجد الخطأ في حياتنا، فأننا نقترب من فرصة النمو والتطور.
لا يمكننا أن نكون ناجحين حقًا إلا في الأشياء التي نحن مستعدون للفشل فيها. وإذا كنا غير مستعدين للفشل، فإننا غير مستعدين للنجاح"مارك مانسون".