من التاريخ.. مرة واحدة تم حجب الثقة عن الحكومة من مجلس النواب في تاريخ الأردن البرلماني من خلال مجلس النوّاب السابع (1962-1963م)، فبعدما وقّعت ( مصر وسوريا والعراق ) اتّفاق الوحدة في السابع عشر من نيسان عام (1963م), جرت مظاهرات في العديد من الأقطار العربية فرحاً بالوحدة.
وابتهاجاً وطلباً من القادة العرب الآخرين الانضمام للوحدة,ولم يكن الأردنّ، بعيدا عن ذلك حيث انطلقت مظاهرات في مختلف المدن الأردنية مطالبة بالوحدة العربية، تصدّت لها السلطات الأمنيّة بصرامة, وعلى إثر ذلك إستقالت حكومة وصفي التلّ، وتمّ تشكيل حكومة جديدة برئاسة سمير الرفاعي،وبهذه الأجواءالمشحونة، تقدّمت حكومة سمير الرفاعي ببيانها الوزاري لنيل الثقة من مجلس النوّاب ، وكان واضحاً أنّ عدداً كبيراً من النوّاب سيحجبون الثقة, وأسقط في يده إذ لم يستطيع حلّ المجلس كما جرى قبل ذلك في المجلسين الثالث والرابع، وذلك بسبب تعديل الدستور عام 1958م والذي منع حلّ مجلس النوّاب خلال الفترة الزمنيّة بين إلقاء البيان الوزاريّ وجلسة الثقة، وحجب الثقة عن الحكومة واحد وثلاثون نائباً, وعلى إثر ذلك استقالت حكومة الرفاعي، وتمّ تشكيل حكومة جديدة برئاسة الشريف حسين بن ناصر، وتم بعد ذلك حلّ مجلس النواب الذي حجب الثقة في 21 نيسان عام 1963م، بحجّة أنّ المجلس لم يُعبّر عن إرادة الناخبين عندما حجب الثقة عن الوزارة، امّا المجلسين (الثالث والرابع) فقد تمّ حلّهما قبل ساعات من جلسة الثقة، بعد إتضاح ان الحجب واقع لا محالة..!
وتعُدّيل الدستور بعد ذلك بعدم السماح بحلّ المجلس بين فترة تقديم البيان الوزاريّ وجلسة الثقة اصبح مفرغاً من مضمونه،إذ أن الحل بقي ممكنا بعد الحجب.وتنص الفقرة الثانية من المادة 54 من الدستور على أنه “إذا قرر المجلس عدم الثقة بالوزارة بالاكثرية المطلقة من مجموع عدد أعضائه وجب عليها أن تستقيل".
اليوم سيتكرر ذات المشهد الذي تعودنا عليه منذ عودة الحياة البرلمانية في الأردن عام 1989… ! فبعد خطابات عرمرمية تدغدغ عواطف العامة، وتثير الحمية وتكشف المستور، وبعد إلقاء رئيس الوزراء لرده المتخم بالوعود..وبعدها التصويت… سنقول لرئيس الوزراء ووزارته العتيدة المثقلة بالحمولة الزائدة… مبروك… . ثقة ونص..! على رأي المتهكمين..فقد اصبح ماراثون الثقة تعويذة للحكومات أياً كان تشكيلها وأداؤها… فوز بأرقام كاسحة، ونذكر برلمان ال 111 وحجب أصوات معدودة (لحفظ ملحة الوجه)وقد يتم تجاوز هذا الرقم اليوم، إذ أن حكومات المرحلة لم تعد (الملحه تهمها)، خاصة ونحن أمام مجلس غالبيته من الوجوه الجديدة، والتي تبحث عن وجود ومغنم وتبني حكومي طويل الأمد ما أمكن ذلك، فتهاجم وتنقد بشراسة في خطاب الثقة لتُفرِح قواعدها الشعبية، وتعطي الثقة دون عناء من تحت الطاولة أو فوقها لا فرق، والمواطن يراقب المشهد… تفرح الحكومة بالثقة وبعد إعلانها، يهجم النواب هجمة المحب الولهان… متسابقين أيهم سيصل رئيس الحكومة قبل لتهنئته… (لتبويسه…وتعبيطه ..هذا إذا سمح رئيس المجلس) أو إذا أفقدتهم الفرحة التفكير بخطر كورونا وإختراق قواعد الإشتباك أقصد البروتوكولات الصحية.
لسنا مع المناكفة بين الحكومة والنواب ولكننا مع تفعيل التشاركية المبنية على فصل السلطات واستقلاليتها لتمارس أدوارها بنزاهة، الحكومة التي تنهج نهجاً سليماً صحيحا وطنيا وتلتزم بقواعد الشفافية والعدالة، لن تحتاج لخطب ود النواب للثقة أو لتمرير القوانين أياً كانت قاسية إذا كان الهم هو الوطن، وعندما تقوم الحكومة بدورها الخدمي والتوظيفي بشفافية وعدالة، لن يحتاج النواب لطرق أبواب الوزراء، لاستجداء خدمة أياً كانت، أو توظيف أحد الأصول..! المشهد سيريالي..أعرف أنني طرت فوق الواقع… لكننا نحلم بوطن ونهج، يؤسس لشراكة وفعل وطني، ينقلنا مما نحن فيه من سوداوية المشهد، وإنعدام الأمل بالمستقبل وبالإصلاح، همنا جميعاً، الحفاظ على بلدنا والبناء على ما تم ونحن نطرق باب المئوية الأولى لأردننا الذي نحب، ولن يأتي ذلك إلا بمزيد من الديموقراطية الحقة، والإصلاح الحقيقي… حمى الله الأردن.