غدا تبدأ حملة التطعيم الوطنية ضد فيروس كورونا المستجد. لحظة طال انتظارها بعد أشهر عصيبة واجهت فيها البشرية عدوا شرسا، فتك بالملايين، وعطل حياة البشرية برمتها، ودمر اقتصاديات الدول كبيرها قبل صغيرها.
لكن بعد كل هذه المعاناة بانتظار الفرج، ما تزال فئة بيننا مترددة ومتشككة حيال المطاعيم، وتخضع في قرارها لإشاعات فارغة حول مخاطر اللقاح على صحة الإنسان.
الحملة الأردنية ضد كورونا تستهدف في مرحلتها الأولى تطعيم نحو 60 ألف مواطن من الفئات الأكثر عرضة لخطر الاصابة بالفيروس، وتستمر على مدى الأسابيع المقبلة لتشمل نحو 20 % من المواطنين. ومن المفترض أن تتسلم الحكومة نحو مليون جرعة من مطعوم فايزر على دفعات، وما يعادلها وأكثر من المطعوم الصيني الإماراتي، ومطاعيم أخرى قيد الدراسة لإجازة استخدامها في وقت قريب.
ينبغي ألا نسمح للترهات على وسائل التواصل الاجتماعي بإعاقة الحملة الوطنية، وعلينا أن نكون واضحين مع المواطنين بأن العودة للحياة الطبيعية تتطلب تطعيم أوسع شريحة ممكنة لضمان المناعة ضد القيروس، بخلاف ذلك سنبقى نراوح بين الفتح والإغلاق وفرض قيود على حركة الأسواق والتجمعات، وقد لا نغادر مربع حظر نهاية الأسبوع لأمد طويل.
لسنا في وضع يسمح بالاختيار، فالدول الكبرى تسابق الزمن لتوزيع اللقاحات على مواطنيها، ومع ولادة سلالات من الفيروس أسرع انتشارا، كالتي تفتك ببريطانيا وألمانيا لن يكون هناك بديل غير المثابرة الجدية لتوزيع المطاعيم على الجميع دون استثناء.
المسألة لا تتعلق بخيارات فردية تستطيع أن تقررها بنفسك دون اكتراث بمن حولك، إنها كقيادة السيارة في الشارع، فلن تستطيع أن تفعل ما تشاء، لأنك عند ذلك تهدد حياة سائقي المركبات من حولك، وليس من خيار أمامك سوى الالتزام بقواعد السير لحماية الآخرين، حتى وإن كنت غير مبال بمصيرك.
قريبا لن تسمح العديد من الدول لمسافر بدخول أراضيها لم يتلق المطعوم، وعلى المستوى الوطني تنوي بعض الدول فرض المطعوم لكل من يراجع مؤسسة رسمية أو يدخل مركزا تجاريا.
علينا أن نفكر بذات الطريقة، ونجعل المطعوم إلزاميا للفئات المستهدفة، وكل من يرفض تلقيه عليه أن يعرف سلفا القيود التي ستفرض على تحركاته.
ونحن نبدأ حملتنا الوطنية للتطعيم، أقترح أن تضاف فئة المعلمين والمعلمات ضمن الشرائح المستهدفة في المرحلة الأولى، لضمان عودة سريعة وآمنة للتعليم الوجاهي في المدارس، فتحصين المعلمين يعني توفير بيئة آمنة صحيا لتقليل الاصابات، خاصة وأن فئة الطلاب والصغار هي من الفئات الأقل تأثرا بالفيروس.
لم يحالفنا الحظ في مواجهة الموجة الأولى من الوباء، ودفعنا ثمنا باهظا من حياتنا واقتصادنا، إلى أن تمكنا أخيرا من احتواء الفيروس والسيطرة على معدلات انتشاره.
الموجة الثانية أكثر خطورة، نظرا لتحور الفيروس بأشكال متعددة، تعجز معها دولة بحجم بريطانيا عن كبح جماحه، وتعاني مرافقها الصحية أزمة خطيرة. ماذا سيكون حال دولة مثل الأردن بالكاد تستطيع تأمين خدمة لخمسة آلاف مصاب؟!
الأيام والأسابيع المقبلة حاسمة جدا، لتسريع حملات التطعيم وشمول أوسع شريحة ممكنة، قبل أن نغرق في الظلام من جديد، عندها فإن المشككين والمترددين، سيكونون أول من يلوم الدولة على تقصيرها.
(الغد)