في اللغة العربية مفردات كثيرة تحمل معاني عرفها الاجداد وظهرت في لغتهم ومدوناتهم وكتبهم قبل ان تستكين الامة وتفقد حيويتها وحضورها وتأثيرها. كتب التاريخ والاشعار والروايات تتحدث عن ايام العرب في اشارة الى المعارك والحروب التي خاضوها او خاضتها القبائل ضد بعضها عندما كان كل منها كيانا سياسيا اجتماعيا اقتصاديا مستقلا. عندئذ كان العرب يقرون بإمكانية النصر وإمكانية الهزيمة، فهناك ايام سعد وايام شؤم وهناك ايام نصر وايام هزيمة وايام لك واخرى عليك “وتلك الايام نداولها بين الناس”.
مفهوم “الايام” في التراث العربي مختلف قليلا عن المفهوم الذي حاول الشاعر العبقري مأمون الشناوي إظهاره في القصيدة التي غنتها سيدة الغناء العربي ام كلثوم “دارت الايام “. فالأيام التي استخدمها العرب للدلالة على الحرب والنهب والسلب والانتصارات غير الايام التي اشبعها الشناوي بالرومانسية والاحلام والعتاب وحصرها بين العاشقين.
كما في لفظ الايام فإن “الخميس” يحمل هو الآخر معنى يتجاوز كونه احد ايام الاسبوع الذي يستقبله الناس بفرح وامل او بدلالة سياسية مشفرة ” هلا بالخميس ” فقد كان يعني للعرب الجيش الجرار، وقد سمي بذلك لكونه يتشكل من خمس فرق احداها في المركز وهي قلب الجيش والاخرى تحيط بها من الجهات الاربعة وتحمل اسماء المقدمة والمؤخرة والميمنة والميسرة.
التاريخ العربي الحديث لا يعدو ركاما من الاحباط والخيبات وسيلا من الخطب والوعود وافراطا في التوقف والاستذكار والترقب لما قد تؤول لها الرغبات الدولية والقرارات الاممية التي لم ينفذ منها شيء. لقد مرت الامة العربية بظروف عصيبة افقدتها ثقتها وسلبتها روحها وشلت حيويتها واذهبت بريقها فتهاوت معنويات شعوبها وتشظت وحدتها الشكلية واعيد تشكيل اهدافها وتوجهات كياناتها بفعل الإغراءات والضغوط والتهديدات والاستمالة التي مارستها القوى الفاعلة على انظمة رفضت ان تتبدل او تتكيف مع حركة التاريخ فاختارت عرقلة واجهاض اي محاولة للتغيير في محيطها بنفس الادوات التي يستخدمها الاستعمار معها. اليوم يشعر الانسان العربي أنه تحت تأثير استعمار جديد همه الاول ان يعيق التغير ويسرق الاحلام ويعمق الإحباط بطرق غاية في الفجاجة وسوء الإخراج.
على مساحة الفضاء العربي يدرك الجميع وجود ازمة واسباب مسؤولة عن الهزيمة وحالة العجز التي اصبحت سمة يصعب تجاوزها. الزعماء وكتابهم يبررون الهزائم بالتفوق التكنولوجي والدعم الغربي، المشكلة فيما يحدث اننا لم ندرس حتى اليوم اسباب الهزيمة فالكثير منا يكتفي بإلقاء مسؤوليتها على القوى الاستعمارية او غياب الايمان. لعقود طويلة يستمر خصوم الامة بالتقدم نحو اهدافهم وسط حالة من التراجع والتدهور العربي دون توقف عند الاختلافات في البنى والعلاقات القائمة داخل المجتمعات العربية والمجتمع الاسرائيلي. من الصعب لأمة لا يسودها القانون وتخضع كافة مكوناتها لسلطانه ان تنتصر مهما حاولت.
على المستوى العاطفي ما تزال قلوب الشعوب العربية متعلقة بفلسطين لكن الناس وحدهم لا يستطيعون ان يحققوا النصر فهم بحاجة الى احترام وحرية وتنظيم وقوى حرة ومنتمية وواعية وصادقة توجههم. فالنصر لا يتحقق بالقوة العسكرية واعداد الجيوش فحسب بل يحتاج الى ايديولوجية وعقيدة قتالية يفهمها الجميع ويؤمنون بها والناس يحتاجون الى الايمان بعدالة مجتمعاتهم وكرامتهم وحريتهم لكي يدافعوا عنها.
على الجانب الآخر نجد ان لدى اعدائنا احزابا تنشأ بينها خلافات لكنها لا تصل حدود المصلحة الوطنية فهم يتسابقون في اعداد برامج حزبية لتحقيق الاحلام القومية ويحتكمون عند كل مفصل من خلافاتهم لصناديق الاقتراع فلا احد يحتكر الوطنية والانتماء ولا احد يشيطن المنافس ويؤسس لشلل وجماعات تبعا للاهواء والرغبات والمصالح الفردية. لهذه الاسباب كانت الحروب العربية الاسرائيلية مناسبات لاستعراض قوتهم وتفوقهم واظهار ضعفنا وتردي اوضاعنا.
(الغد)