*فوجىء متابعو الأحداث السياسية، دولياً: يوم (6/1) بمشاهد صادمة تأتي من واشنطن، الكونغرس، الذي تعّرض إلى مسيرة من البيت الأبيض وسرعان ما تحوّلت إلى عنف غير مسبوق، فمنذ عهد أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية، جورج واشنطن، كانت معظم فعاليات انتقال السلطة تجري بسلاسة، مع استثناءات محدودة، لكنها لم تصل إلى حدّ العنف الانتخابي، احتراماً للقانون والدستور الأمريكيين.
* وقد تظهر أحداث (6/1/2021) في فيلم سينمائي حول حادثة خطيرة في التاريخ السياسي الأمريكي، كادت تقوّض نظريات التقاليد المؤسسية الأمريكية الراسخة في كبرى الدول الديموقراطية؛ وقد تكون ردّاً على (هنتنجتون) في كتابه (نهاية التاريخ) متوَّجاً بأرقى مراحل الديموقراطية، وهي الديموقراطية الليبرالية الغربية، والتي ظهرت هشّة واهنة ذلك اليوم.
* فالولايات المتحدة الأمريكية تتبنى الدفاع عن الديموقراطيات في العالم، وتربط مساعداتها بمدى تقدّم المظاهر الديموقراطية في البلدان التي تدور في فلكها؛ مع أنها تدعم انظمة غير ديموقراطية حفاظاً على المصالح الأمريكية، ومع ذلك، فقد تعرّضت ديموقراطيتها إلى ما تتعرّض له الديموقراطيات فيما أسماه بعض السياسيين الأمريكيين في دول العالم الثالث، وهو تعبير عن النظرة الأمريكية الاستعلائية، ذلك أن هذا السلوك الذي جاء استجابة لنداء الرئيس الأمريكي أن (اقتحموا مبنى الكونغرس) قد صُنف بأنه (أعتداء غير مسبوق على المؤسسات الأمريكية، وتشويهٌ صارخ للتقاليد الديموقراطية الأمريكية).
*وسواء كانت الديموقراطية الأمريكية تتسم بمناقب عديدة، ومثالب أخرى عديدة، فأنها البوْصلة التي تحدد اتجاهات المجتمع الأمريكي، وهذا ما يُلمس في تصريحات الرئيس المُنتخبِ، بايدنـ حيث كانت: (دفاعاً عن الديموقراطية الأمريكية)- الرأسمال السياسي للمجتمع الأمريكي-.
*فثمة مخاوف لهذا الوضع المضطرب، ومازال وَميض النار تحت الرماد، فالرئيس الذي طلب (اقتحموا الكونغرس) قد تصدر عنه قرارات في الأيام القليلة المتبقية لولايته تضّر بالمصالح الأمريكية، كما صرّح بذلك سياسيون وإعلاميون وبعض قادة الأغلبية والأقلية في الكونغرس... الأمر الذي أدّى إلى رفع شعار (عزل الرئيس الفوري)، على الرغم من دعوته الأخيرة إلى المصالحة من أجل العمل لهزيمة الوباء ومن أجل انعاش الاقتصاد الأمريكي.
*تعتمد المطالبات بعزل الرئيس الأمريكي على تفعيل المادة (25) من الدستور الأمريكي، عندما يكون (غير قادر على تحمّل أعباء منصبه)، وهو نصٌ لا يمكن تطبيقه بُيسر وسهولة، وقد يمتد إلى أسابيع من أعمال التحقيق والتحقّق، واللجان والحوارات الشاقة، ومثال ذلك، ما حصل في عملية عزل الرئيس الأمريكي (نيكسون)، وهي ما يطلق عليها بالانجليزية-Impeachment- فقد استغرقت أكثر من سنة.
*ويعاني الرئيس ترامب من تَخَلّي معظم شخصيات إدارته عنه، ولكنهم في الوقت نفسه من غير المتوقع أن يتخذوا اجراءات ضدّه أكثر من الاستقالات.
وعلى الرغم من وعده أنه سيعمل على انتقال منظم وسلِسِ للسلطة في (20/1)، الا أن مواقف تدعو لتفعيل المادة (25) من الدستور، ومواقف أخرى ترفض ذلك، تجعل المسألة غير محتملة.