ثلاث دقائق، أكثر أو أقل قليلا، كانت كافية لإحداث هزة في "الوعي" وانقلابا في "المزاج" وخلخلة في "التحالفات"، فالشرق الأوسط بعد "لحظة" إعدام الرئيس العراقي صدام حسين ليس كما كان قبلها، فالمياه جرت بسرعة شديدة في أنهاره، جارفة معها الكثير مما كان راكدا ومستقرا.
لم يتسن لكثيرين إعداد قوائم الرابحين والخاسرين أو إحصاء الأرباح والخسائر، لكن بنظرة سريعة إلى التغييرات التي صاحبت "لحظة" الإعدام وأعقبتها، تظهر بما لا يدع مجالا للشك أن إيران هي الخاسر الأكبر جراء الفعلة الهمجية، فهي غلّبت منطق الثأر والانتقام على حسابات دورها الإقليمي الذي لم يكن مبنيا فقط على "الإسلام السياسي الشيعي"، بل كانت له دعائم وامتداد في الحركات الإسلامية السنية كذلك، وهذه بدورها ستجد حرجا في تبرير وتفسير إدامة تحالفها مع طهران، فيما صيحات "الثأر المذهبي" و"ثارات الحسين" قد أصمت الآذان جميعها.
وطهران خاسرة أيضا، بعد أن وضعت ادعاءاتها حول "العداء لأمريكا وإسرائيل" على محك "الانتقام المذهبي"، ولعله أمر لافت للغاية أن تخرج الجموع الغاضبة في العواصم العربية والإسلامية مطالبة بإغلاق سفارتي تل أبيب وطهران، ومنددة بالتحالف الهجين "الأمريكي – الإسرائيلي – الإيراني".
ومن بعد طهران أصابت الخسارة والخسران، جميع أعضاء النادي / المحور الذي تتزعمه، من دمشق التي ستجد نفسها مضطرة لتبرير ما لا يمكن تبريره، إلى حزب الله الغارق في "زواريب" السياسة المحلية اللبنانية، إلى حركة حماس التي طالما نافح قادتها دفاعا عن تحالفهم مع طهران.
لقد داهمت لحظة الإعدام بهمجيتها المذهبية الثأرية، حزب الله وهو على مفترق طريق يضعه أمام خيارين: الأول، الاحتفاظ برمزية المقاومة اللبنانية / العربية لإسرائيل، ودوره كقوة جامعة وعابرة للمذاهب في مواجهة إسرائيل، والثاني: الغرق في مستنقع الطوائف والمذاهب في لبنان، والغوص في دهاليز السجالات المحلية التي لا تنتهي في لبنان، وقد بدا أن الحزب اختار أو انجر إلى زواريب السياسة المحلية مقامرا بفقدان بريقه ورمزيته، وجاءت الواقعة في مبنى شعبة الاستخبارات ببغداد، لتجعل حياة حزب الله وبالأخص زعيمه، صعبة للغاية، ولتعيده زعيما مذهبيا محليا بعد أن طافت صوره الأرجاء كلها.
كما داهمت حلقة الردح المذهبي المحيطة بمشنقة الرئيس صدام، حركة حماس وهي في غمرة صراعها على السلطة، لا ضد الاحتلال، وهي في ذروة النشوة للثمار "الطيبة" لاندراجها في "المحور المقاوم"، فإذا بهذا المحور ينكشف سياسيا أمام الرأي العام، بوصفه منقادا بدوافع مذهبية وثارات عصبية تعود بالأمة وتعيدها أربعة عشر قرنا للخلف.
وكذا الحال بالنسبة للإخوان المسلمين الذين تميزوا بموقف داعم لهذا المحور، وبعضهم اندرج في العملية السياسية الجارية في العراق، جنبا إلى جنب مع الصدر والحكيم، فتحول الموقف الإخواني بدوره إلى موقف تبريري يصعب الدفاع عنه، بدلالة ما حصل في شوارع عمان في الأيام القليلة الماضية.
قائمة الخاسرين من واقعة أول أيام العيد طويلة، وفي المقابل فإن قائمة الشامتين لا قتل طولا، فيما الرابح الأكبر من هذه الواقعة هو "معسكر الاعتدال العربي" الذي وجد ما يمكن أن يكون جامعا مشتركا بينه وبين الرأي العام العربي، وحظي بضالته للتأكيد على "خطورة محور طهران – دمشق وحلفائهما"، بيد أن مأزق هذا المعسكر يكمن في كون الرأي العام العربي لم يفقد بوصلته ولن يفقدها، فصدقية موقف هذا المعسكر من طهران وحلفائها تتقرر في ضوء مواقف من الولايات المتحدة وإسرائيل، وهذه بضعفها وترددها تشكل "كعب أخيل" هذا المعسكر، والتطورات القادمة ستظهر أن أرباح هذا المعسكر التي جناها من دون جهد، ستذروها رياح التعنت الإسرائيلي وعمى الألوان الأمريكي والضعف الرسمي العربي المقيم.