شوفوني:
مع كلّ برامج (social media) الصوتيَّة والمرئيَّة، إلّا أنَّه حرَص أن يقف أمام الكاميرا في الحرم، يُكبّر للصّلاة، يُتابع حركة الكاميرا، خاشعٌ متبتّل في انحرافِها، مضطربٌ إذا توجّهت إليه في رُكوع أو سُجود. أمُّه تراقب الشّاشة الزّرقاء، تتمنّى لو تراه، ابتعدَ عنها وهي في مَسيسِ حاجتها إليه، ودّعته بلسانها وقلبُها ينفطر...، بدتْ له الكاميرا، ظهرَ فيها، نسي نفسَه، رفع يديه يسلّم على أمّه.
رائض:
قال لصاحبه مَزهوًّا: حمدتُ ربّي أنّني صلّيتُ اليوم في الرّوضة عشرين ركعة. فأجابه: كم من رائضٍ ساهم! لم يُلقِ بالًا لقولِه المُثبّط، وقال: لكنَّ فلانًا يُغرّد ليلَ نهارَ بالجِوار، فردَّ عليه: كم من مجاور غافل!
ضَجر منه، أخذَ يُتمتم: كم وكم وكم! بشّروا ولا تنفّروا يا صديقي، يسّروا ولا تعسّروا؛ فإنّكم لا تَملكون قلوبَ النَّاس بالحديد والنّار.
عَرّافة:
تَعرفُ الولدَ الشّقيَّ (كذا تُسمّيه): عبثَه، شقاءَه، نبوغَه، يَسوؤها أنَّ ولدَها دونه في المهارات الرّياضيَّة والعقليَّة والقياديَّة. سمعَها غيرَ مرَّة -وهما يَلْعبانِ- تُحرّضه على اللَّحاق به وتَجاوزِه، وأنَّ أمَّه -يا ولدي- دوني في الفراسة والنَّظر؛ لكنَّه الحظّ.
زارتها في بيتِها المَبنيِّ من حَجرٍ وطينٍ قُبالَتها على سَفح جبلٍ، وبيتُها مَشيدٌ من حديدٍ وإسمنت، بينهما وادٍ غيرُ سحيق. اجتمعت حولَها الصّبايا يَستمعنَ إلى أحاديثها العِذاب، طلبنَ منها عند الفراغ من القهوة أنْ تقرأ لهنَّ طوالعَهنَّ...
- هاتي فنجانك يا عَروسة (حدَّدتها، وترغبُ فيها زوجًا لابنها).
حدّقت فيه، تُغمضُ تَفتحُ عينيها، تنظر في الأفق، تُعاين المَقروء لها، تَمسحُ على وَجهها، تُمسكُ جديلتَيْها، تقرأ وتقرأ...، وفي كلِّ قراءةٍ تُشير إلى الولدِ الماهرِ؛ فيصفّقنَ لها، وأنَّ كلامَها صحيح...، وأمُّه تنظرُ شَزْرًا.