مهنتي التي أحب "الأستاذ الجامعي"
أ.د. اسماعيل الزيود
08-01-2021 02:55 PM
قبلنا شرف التحمل في حب المهنة. أن تختار أن تكون أستاذاً جامعياً فإن ذلك يرتب عليك مسؤوليات كبيرة أمام المهنة والمجتمع والطلبة وهذا يحملك العديد من الإلتزامات على شكل منظومة غير مكتوبة ووفقاً لجملة من المعايير التي تخلقها لتكون بمثابة خارطة طريق تحدد مسيرتك.
أن تكون أستاذاً جامعياً فأنت بلا شك أمام مهنة ذات حمل ثقيل تعطيها أكثر بكثير من أن تنتظر شيئاً أو عائدا حيال ما تعطي. إذن أنت تمتهن مهنة شاقة متميزة هي تماماً كسباق التحمل لقطع المسافات غير المحدودة عليك أن تعلم كيف توزع جهدك وقواك وطاقتك وتقسمها لتستمر في العطاء والإنجاز ولتحافظ بذلك على صحتك لضمان حسن إستمراريتك.
أن تكون أستاذاً جامعياً يعني أنك خضت مخاض مهنة " الموت البطيء " فحياتك مليئة بالضغوطات المتلاحقة المتلاصقَة فمنذ أن يتم تعيينك معيداً أو محاضرا تبدأ معاناتك وقبل ذلك كله لا بدّ من أن يكون لديك جاهزية علمية لمتطلبات الدخول.
أن تكون أستاذا جامعياً يعني أنه بالفعل لديك مهمة طويلة لمهنة شاقة ولكنها جميلة نحبها لأنه من خلالها يستطيع الأستاذ الجامعي الأكاديمي أن يقدم نفسه هو وذاته كما هو بفكره وتميزه وبالتالي فالمنافسة موجودة وما أجمل شرف المنافسة في الطرح والاختلاف لا الخلاف لأن ذلك يصب في مصلحة المؤسسة الأكاديمية والطالب والمجتمع والدولة.
أن تكون أستاذاً جامعياً يعني أنك في مالا نهاية من العمل لأنها ملتصقة بالبحث العلمي وبناء الذات لإثبات حقيقة وصحة وعنوان وجودك.
أن تكون أستاذاً جامعياً يعني أن بداياتك كانت علمية تحتمل وجهات نظر عدة لأنك في بدايات الطريق فعليك أن تأخذ وتنهل علماً لتتعلم لكي تكَّون فيما بعد وجهة نظرك حيال الأشياء والموضوعات.
كانت البدايات في مرحلة الماجستير ودراسة المتطلبات المساقات المقررة، فسيمنار التسجيل للرسالة، كتابة الرسالة وإعدادها فالمناقشة ثم مرحلة الدكتوراة ورحلتها الشاقة فإعداد الرسالة، والمناقشة ثم تبدأ مرحلة جديدة لاتقل صعوبة ففي بداية تعيينك التام من حيث الشكل والمضمون الذي يحتاج منك لتبدأ رحلة البحث العلمي لأبحاثك العلمية المتعلقة بالترقية وما يتم تكليفك به أيضاً وما تريد أن تبحث به أنت أيضاً وهذا كله يحتاج لإعداد وتحكيم، ونشر لهذه الأبحاث العلمية وهذا يعني جولات للبحث عن مجلات علمية محكمة وتلك قصة أخرى في زاويب ومتاهات تلك المجلات، وبعد أن تجتاز تلك المرحلة الأليمة تعود لتقدم إنتاجك العلمي للجان علمية لتدرس إنتاجك العلمي مجتمعاً وتحكمه مرة أخرى وذلك على سبيل مدى إستحقاق تلك الأبحاث وجدارتها وبالتالي إستحقاقك الترقية من درجة لأخرى.
وخلال ذلك لا بدّ من حضور مؤتمرات لتطوير الذات والقيام بالتدريس والأعمال اليومية وإعداد الامتحانات وأعمال إدارية وملاحقات أخرى يمر بها كل عضو هيئة تدريس طوال اليوم وخلال الأسبوع.
أن تكون أستاذا جامعيا يعني أن تكون دائم التواصل والاتصال فالعمل من المنزل والمكتب لا ينقطع وفي كل مكان ولنا في التعليم عن بعد قصص أثبت فيها الأكاديمي الأستاذ الجامعي قدرته على التحمل والصبر عبر متابعته لكافة وسائل التواصل الاجتماعي وفي كافة الأوقات لطلبته فضحى الأكاديمي بوقته ووقت أسرته وصحته لإنجاز المهمة على أكمل وجه.
أن تكون أستاذاً جامعياً يعني أن يكون لديك مظهرك اللائق الجميل، هذا بالإضافة إلى أنه لا يمكن للأستاذ الجامعي الذي يشكل بموقعه الاجتماعي مكانة مهمة أن ينزل بنفسة عن مستوى معيشي واجتماعي معين أقل من المطلوب فهذه مكانة ودور اجتماعي قيمي وضعه وحدده له المجتمع وهي مكانة متحققة تجعلك تنفق من أجل هذا الاستحقاق فغالبا ما ينفق الأكاديمي على وظيفته لا العكس لكي يحقق متطلبات تلك المهنة بشرف.
رحلة طويلة لا شك إن راجع كل منَّا بدايات المسيرة وعاد بالذاكرة للوراء وتذكر أساتذته من بقي ومن رحل وماذا ترك أو خلف ورائه كل منهم لتقرأ بعدها مسيرتك أنت مع بعض التجميل أو العكس، وقد تكون النهايات أيضاً مقلقة وقد لا تكون بمستوى الطموح أو بحجم تلك التوقعات فتنظر ذات يوم في المرآة فتجد الشعر الأبيض وقد صبغ حياتك وتتحول إلى رسالة او كتاب على رف في مكتبة يخطئ الباحثون في كتابة إسمه بمراجعهم.
أعتقد جازماً بأن الشيء الوحيد الذي قد ينفعك أن يتذكرك أحد طلابك ويحدث زملائه عنك وقد يدعو بعد ذلك لك بالرحمة وهذا موضع شك أيضاً.
مهنتي أكاديمي أستاذ جامعي هي تلك التي سنبقى نحب لا نضعها في مقياس العوائد المالية ولكنه الحديث عن حجم التحديات والصعوبات التي يواجهها الأكاديمي الأستاذ الجامعي حينما يعول عليك الجميع بالكثير فلنحافط إذن على سمو ورقي هذه المهنة التي أحبينا ولنرتدي بشرف جميعنا نحن معشر الأكاديمين عباءة الأكاديمي الأستاذ الجامعي النظيف الموضوعي في الطرح والبعيد عن الذاتية ولتكن تلك العلامة الفارقة في حياة مجتمعنا الأكاديمي.
مهنتي أكاديمي أستاذ جامعي قبلنا شرف التحمل لحبنا للمهنة التي اخترنا.