مئوية الدولة والتعليم العالي
أ. د. ناهد عميش
06-01-2021 06:37 PM
لا يسعنا الاحتفال بمئوية الدولة الأردنية دون أن نتطرق لمسيرة التعليم العالي فيها، وما مرّ بها من تحديات وأزمات ونجاحات أيضاً.
بدأت مسيرة التعليم العالي بإنشاء الجامعة الأردنية العام 1962. أما اليوم؛ فقد وصل عدد الجامعات في الأردن إلى ١٠ جامعات حكومية، و17 جامعة خاصة، و50 كلية مجتمع.
لقد شكّل التعليم العالي أحد أهم معالم التنمية البشرية في الأردن، وكانت له مساهمة مهمة في النهضة الاقتصادية والإدارية التي شهدها الأردن في العقود الماضية.
لم تخلُ مسيرة التعليم العالي من التحديات، وما زالت في وقتنا الحالي تعاني الكثير من هذه التحديات والصعاب، ولكن في الوقت نفسه علينا أن لا ننكر بأننا قطعنا شوطاً كبيراً في هذا المجال، وأن علينا العمل على إيجاد حلول للمضي قُدماً.
التحدي الأكبر الذي يواجه التعليم العالي في وقتنا هذا هو القدرة على رفد سوق العمل بالكوادر البشرية المدربة والقادرة على التعامل مع التكنولوجيا في عهد الثورة الصناعية الرابعة. ومن أهم أسباب الصعوبات التي تواجه هذا القطاع هو الطلب الاجتماعي على التعليم، فنحن نولي التعليم قيمة عالية والجميع يسعى إلى تدريس الأبناء للحصول على الشهادات، وازدياد الطلب على التعليم أدى إلى ازدياد كبير في عدد الجامعات، ومن ثمّ التوسع في البرامج وتكراراها من غير وجود ربط بين احتياجات السوق والتخصصات التي تطرحها هذه الجامعات. كما أن هذا التوسع بالكم كان أحياناً على حساب نوعية التعليم وكفاءة الخريجين.
ومن المشكلات التي يواجهها هذا القطاع أيضاً؛ هو التركيز على التعليم النظري وإهمال الجانب التقني والتدريبي في التخصصات. بالإضافة إلى تحديات مرتبطة بعدم استقرار التشريعات والتعليمات، واستقلالية الجامعات، وقلة المصادر المالية التي تُعدّ مرتكزاً أساسياً لأي عملية تطويرية.
ولا شكّ في أن متطلبات العملية التعليمية/التعلُمية في وقتنا هذا تختلف عما كانت عليه في الماضي؛ فقد كشفت جائحة كورونا مؤخراً عن الكثير من التحديات التي واجهت هذا القطاع في مجال التعلم الإلكتروني.
هذا النوع من التعلم يتطلب وجود بنية تحتية من حواسيب وبرمجيات مجربة ومعتمدة في التعليم، وشراء برامج خاصة بالمؤسسة التعليمية لضمان اشتراك أكبر عدد من الطلبة في التعلم الإلكتروني. وهذا كان من أهم نقاط الضعف لدينا بالإضافة إلى عدم قدرة بعض أعضاء الهيئة التدريسية على استخدام التكنولوجيا في التعليم، كما أن هذا النوع من التعلم قد زاد من الفجوة بين من يمتلك الإمكانيات اللازمة مع من يفتقرها.
فمع تطبيق التعلم الإلكتروني، ازدادت الفروقات في التحصيل العلمي مع اتساع الفجوة الرقمية. لذلك يستفيد بعض الطلبة من استمرارية تعلمهم عندما لا يفعل الآخرون. وحيث أن مستقبل التعليم سيكون حتماً مبنياً على دمج هذا النوع من التعلم مع التعليم الوجاهي؛ فلا بد لنا من تطوير إمكانياتنا في أسرع وقت ممكن لنستطيع مواكبة العالم في هذا المجال، ونعمل على مأسسة التعلم الإلكتروني ليصبح جزءاً من المنظومة التعليمية/ التعلمية في الأردن. وهذا ما تعمل عليه اللجنة التي شكلتها وزارة التعليم العالي من عدد من المتخصصين؛ بهدف وضع خطة عمل لإدماج التعلم الإلكتروني في نظامنا التعليمي.
وفي موضوع التعلم الإلكتروني خلال الجائحة كان أداء الجامعات متفاوتًا، فمثلاً الجامعة الأردنية كانت قد أدخلت التعليم المدمج لعدد لا بأس به من المواد قبل الجائحة بسنوات، وهذا بالطبع كان له الكثير من الآثار الإيجابية في الانتقال للتعلم الإلكتروني خلال الجائحة.
التعليم العالي في العالم يتطور بسرعة. وعلينا مواكبة هذه التطورات قدر الإمكان، ونحن نمتلك الكثير من المقومات لإنجاح هذا القطاع، فمؤشرات التعليم ممتازة لدينا، وهناك كفاءات تتخرج من جامعاتنا، ونحن نرفد ليس فقط السوق الأردني بل السوق العربي والعالمي ببعض هذه الكفاءات.
ولكن بالتأكيد هناك تحديات كبيرة تواجه هذا القطاع، وعلينا إيجاد حلول تكاملية وشاملة للنهوض بمنظومة التعليم العالي.
لكي تنجح أي عملية إصلاح في التعليم يجب أن تتوافق الرؤية التي تضعها وزارة التعليم العالي مع رؤية واستراتيجية الدولة. هذه الرؤية "vision" ممكن أن تتغير تبعاً للظروف التي تمر بها البلاد. ووضوح هذه الرؤية وتوافق استراتيجيات العمل معها، سيكونً أساساً مهماً للنهوض بالتعليم.
التعليم العالي هو من أهم ركائز التنمية الشاملة المستدامة في الأردن ، وقد حقق هذا القطاع خلال العقود الماضية الكثير من قصص النجاح. وعلينا أن نقوم بعملية تقويم شاملة لهذا القطاع، ونستخدم نقاط القوة لدينا لنبني على نجاحاتنا، وتستمر المسيرة نحو الأمام.