بدأ نواب بنهج فن الخطابة وممارسة المظاهر الاستعراضية أثناء مناقشة البيان الوزاري للحكومة الحالية التي اعتدناها بداية كل موسم نيابي، لا يضاف فيها أي جديد والتلويح برفع البطاقة الحمراء في وجه حكومة تتطلع لنيل ثقة المجلس.
في العودة قليلا إلى الوراء، يذكّر المشهد الحالي بمسؤول الصندوق الذي يستشعر أهميته نهاية كل شهر بعد أن يصطف الموظفون تباعا بانتظار تسلم معاشاتهم، ثم ينتهي دوره بانتهاء مهمته، في ما ينظر البعض إلى هذا السلوك النيابي بمحاولة كسر حاجز الصمت والجمود الذي عانت منه مجالس سابقة، في محاولة لإعادة البريق إلى مجلس النواب وبث الروح في أروقته المتعبة ليثبتوا أنهم على قدر التحدي والمسؤولية، دون استعداد من جهتهم لرفع الراية البيضاء برغم اعتياد الناخب منذ دورات خلت إلى معايشة هذه الأجواء التي يتوعد فيها البعض ويُمْلون شروطهم، لنجد على امتداد سني عمر المجلس أن جل ما نسمعه لا يتعدى أكثر من كونه خطب شعبوية لا تخرج عن نطاق الأداء المسرحي.
لُدغ المواطنون عديد مرات من أداء مجالس نيابية تنكرت لناخبيها، عبر إقرار حزمة قوانين لم تراع أحوال المواطنين الذين توسموا الخير لحظة إطلاق صافرة البداية، وساهمت إلى حد كبير في إضافة عبئ مالي جديد قاد إلى حالة نفور غير مسبوقة لجهة الأداء، ترجمه تواضع الانكباب على صناديق الاقتراع مما فاقم الفجوة بين الناخب والنائب.
أمام النواب لا سيما الجدد منهم طريقين لا ثالث لهما، الأول يتمثل بأداء نيابي رفيع يؤسس لحالة جديدة تبدد الصورة النمطية وتسيطر على فضاء المجلس من أجل إعادة الثقة بدوره، والثاني انطواء المجلس على نفسه بما يعجّل بدمغه بالمجلس المدجن الذي لن يشب عن طوق ما يطلب منه ليتكرر معه سيناريوهات مجالس سابقة.
لا نريد لبعض النواب تضمين خطبهم باشتراطات منح الثقة في إطار بعض المطالب والإفتاء في بعض الجوانب الصحية دون علم أو دراية من شأنها نقل عدوى الفايروس بين جموع المواطنين، وأن يتركوا شأن الملف الصحي وتداعياته إلى الجهات الحكومية المختصة التي تبني قراراتها في هذا الملف تحديدا بعيدا عن لفت الأنظار ووفقا لحالة المنحنى الوبائي الذي يبدو أنه لم يستقر بعد، ويتأرجح بما يؤكد أن خطر انتشار الوباء قائم لم ينته بعد.
ملفات ثقيلة بات من الأولى مناقشتها على مائدة السلطتين التنفيذية والتشريعية، منها ما يدخل في إطار إنضاج مبدأ الانتخاب وإعادة إنتاج قانون يليق بمستوى الطموح والإنجاز، والعمل على تحسين الوضع الاقتصادي الذي يشكل حجر الزاوية والأساس الذي يجب أن تبنى عليه الخطط والبرامج، والعمل على إيجاد بيئة نظيفة محفزة لإقامة استثمارات تفتح آفاقا جديدة وفرص عمل أمام الشباب المتعطل عن العمل، والحد من تداعيات الفقر الذي تتزايد معدلاته بفعل غياب الأسس والمعايير التي تحكم عملية التعيين، إذ لم يعد للخطب متسع مع انتشار رقعة الفقر وتزايد معدلات البطالة وما تمخض عنهما من آفات تهدد السلم والأمن الاجتماعي.
لا يكفي أن نتغنى بمئة نائب جديد صعد إلى سدة المجلس، بقدر الحاجة إلى التقدم بالأداء وإعادة الهيبة والدور الحقيقي لبيت التشريع، وأن يخرج من عباءة التبعية التي أنهكته وانعكست تداعياتها على مختلف مناحي الحياة.