سادت نبرة متوازنة في حديث رئيس الحكومة عن تجربة التعليم عن بعد في بيانه الوزاري، وكان أقرب إلى رأي الشارع الذي كان يتخذ موقفاً نقيضاً للتفاؤل المفرط الذي أصر وزير التربية والتعليم إشاعته في تصريحاته، ويشجع الكلام المتوازن للرئيس حول ملف التعليم بشكل أكثر عمومية أن نتوجه بالسؤال التقليدي للحكومة، ولا أعني حكومة بشر الخصاونة، ولكن جميع الحكومات السابقة والمقبلة، والسؤال ببساطة على مستويين، هل تريد الحكومة التغيير؟ وهل تستطيع ذلك؟
في مرحلة مبكرة من التسعينيات كان الحديث عن تطوير التعليم وعن التوسع في التعليم المهني موضوعاً على طاولة البحث والنقاش، وتقدم د. وجيه عويس، الذي تولى حقيبة التربية والتعليم في وقت لاحق مجموعة من التصورات بخصوص التوسع في التدريب المهني، وعلاوة على ذلك، أنجزت مجموعة من الوثائق المهمة بخصوص تطوير التربية والتعليم لم تتمكن وزارة التربية من وضعها محل التنفيذ بالصورة اللائقة، وربما تناسى الجميع أن الوزارة هي جهة تنفيذية، ليس بوسعها، لا هي ولا الحكومة أن تضع استراتيجية للتعليم في الأردن، نعم هذه حقيقة علينا أن نعترف بها قبل أي شيء، الوزارة يجب أن تنفذ استراتيجية وطنية، تكون محصلة لتفاعل رؤية تأسيسية من ممثلي الشعب الأردني، بعد وضعهم أمام الخيارات المنطقية، هل نبقي على تعليم قائم على التلقين والحفظ ويقف دون تشجيع الفكر والاختلاف، أم ننتقل إلى تعليم ديناميكي يقوم على الابتكار والابداع؟
يجب أن يعرف ممثلو الشعب أن الابقاء على الخيار الأول هو الأقل تكلفة، فهو لا يتطلب شيئاً، مع ضرورة الإشارة إلى تكلفته الفادحة في عالم الثورة الصناعية الرابعة، حيث لا مكان لعقليات جامدة منغلقة على ذاتها، لأن امبراطورية الجوجل و مواقع أخرى مثل الويكيبيديا وفرت كل البدائل المطلوبة؟ فهل يريد المُشرع أن يشاهد ارتفاعاً قياسياً في البطالة، وبوار لرأس المال البشري في الأردن، أم يريد أن يخوض تجربة التحديث التي تستطيع أن تؤسس لجيل يستطيع أن ينافس عالميًا، وهل نريد أن ننتج مزيداً من الموظفين ونهمل بناء خط الدفاع الرئيسي من المهنيين؟
إذا كنا نستطيع اليوم استيراد أصحاب المهن بتكلفة معقولة، فإننا لن نستطيع أن نفعل ذلك غداً، فتكلفة العامل العضلي والمهني والتقني ستتصاعد نتيجة التهافت على اليد العاملة والشيخوخة التي تضرب في أوروبا وآسيا، فأي مستقبل نتطلع له، أيمكن أن نرتضي بالجلوس وأن نخبر العالم بأننا لم نخلق لهذا!
يجب إطلاق عملية تحديث التعليم معززة بقوة قانون يعبر عن إرادة شعبية أن ترتقي الاستراتيجيات إلى قوانين ملزمة، وخلاف ذلك، سيبقى الأمر موضوعاً لاختلاف وجهات النظر والاجتهادات من وزير إلى آخر، وسنهدر مزيدًا من الوقت، فتحديد نجاحنا أو فشلنا ليس رهناً بتصريحات أي وزير أو حتى رئيس حكومة، فملف التعليم هو الأساس لملفات التشغيل مستقبلاً، وهو الذي سيصوغ شكل اقتصادنا وحياتنا بشكل عام، وهو أمر لا يترك لوزير أو حتى رئيس حكومة مهما كان واقعياً في طروحاته.
(الرأي)