هل اختصاص المحكمة الدستورية بالرقابة على دستورية القوانين والانظمة النافذة جاء على سبيل الحصر بها.
لا اريد ان استبق بابداء رايي بهذا الخصوص قبل ان اقوم بالمقارنة بين نصوص المحكمة الدستورية لدينا ونصوص قوانين المحاكم الدستورية في بعض البلاد العربية, وما دعاني لطرح هذا التساؤل كعنوان لموضوع هذا المقال امور ثلاثة:-
يتمثل اولها في ان النصوص الدستورية المختصة برقابة المحكمة الدستورية لدينا جاءت طليقة من كل قيد, وفي ضوء ما هو مسلم به قانونا وفقها واجتهادا "ان المطلق يجري على اطلاقه ما لم يرد ما يقيده" واثباتا لما نقول من ان النص لدينا جاء مطلقا ورد نص المادة (59/1) من الدستور على النحو التالي "تختص المحكمة الدستورية بالرقابة على دستورية القوانين والانظمة النافذة وتصدر احكامها باسم الملك ... الخ" مع ملاحظة ان المشرع لدينا في هذا المقام لم يقل بان المحكمة الدستورية تختص دون غيرها كما فعلت التشريعات التي سنشير اليها بعد لحظات.
يتمثل ثانيها في المنهج الذي استخدمه المشرع الدستوري لدينا من حيث انه عندما يريد حصر الاختصاص بجهة معينة, فانه لا يتردد في بيان ذلك صراحة, فعلى سبيل المثال لا الحصر, نصت المادة (60/1) من الدستور على ما يلي "للجهات التالية على سبيل الحصر حق الطعن مباشرة لدى المحكمة الدستورية في دستورية القوانين والانظمة النافذة, أ – مجلس الاعيان, ب- مجلس النواب, ج- مجلس الوزراء".
اما ثالثها فيمكن لنا استمداده من المقارنة بين النصوص الدستورية لدينا والنصوص القانونية المتعلقة بهذا الموضوع لدى بعض الدول العربية الاخرى المستمدة اساسا من القوانين المقارنة.
1. فقد نصت المادة (25) من قانون المحكمة الدستورية العليا المصرية رقم (48) لسنة 1979 على ما يلي: "تختص المحكمة الدستورية العليا دون غيرها بما ياتي, اولا: الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح".
2. " نصت المادة رقم (1) من قانون المحكمة الدستورية الكويتية رقم (14) لسنة 1973 على ما يلي "تنشأ محكمة دستورية دون غيرها بتفسير النصوص الدستورية وبالفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين والمراسيم بقوانين واللوائح وفي الطعون الخاصة بانتخاب اعضاء مجلس الامة او بصحة عضويتهم ويكون حكم المحكمة الدستورية ملزما للكافة ولسائر السلطات".
3. نصت المادة (18) من قانون المجلس الدستوري اللبناني الصادر في (14) تموز لسنة 1993 على ما يلي "يتولى المجلس الدستوري الرقابة على دستورية القوانين وسائر النصوص التي لها قوة القانون وخلافا لأي نص مغاير لا يجوز لأي مرجع قضائي أن يقوم بهذه الرقابة مباشرة عن طريق الطعن بمخالفة الدستور ومخالفة مبدأ تسلسل القواعد".
4. لم تتأخر المحكمة الدستورية البحرينية عن الركب, فنصت المادة (16) من قانون المحكمة البحرينية رقم (27) لسنة 2002 على ما يلي "تختص المحكمة الدستورية البحرينية دون غيرها بالفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين واللوائح".
في ضوء ما تقدم, فاننا كنا نتمنى على المشرع الدستوري ان يحصر الرقابة على دستورية القوانين والانظمة النافذة بالمحكمة الدستورية قياسا على ما اشرنا اليه من تشريعات حتى لا يؤدي الامر الى الاختلاف في التطبيقات القضائية تحقيقا للعدالة في المساواة بين المواطنين. ولكي لا يثور التساؤل – بحق – من قبل رجال القانون او بعضهم على الاقل بخصوص ما اذا كانت الرقابة على دستورية القوانين والانظمة – اي الطعن او الدفع بعدم دستورية القوانين والانظمة, مقصورة على المحكمة الدستورية ام لا؟, وان كنا نرى ان هذه النصوص تسمح بالرقابة للمحاكم العادية المختصة برؤية موضوع الدعوى المعروضة عليها –وهو موضوع سنتطرق اليه تفصيلا فيما بعد.
واخيرا , فاننا نرى في خاتمة هذا المقال, قصر الاحكام المتعلقة بالمحكمة الدستورية على قانون المحكمة الدستورية دون تكرار لذات الاحكام في الدستور , فازدواجية هذه الاحكام ليس لها ما يبررها خاصة فيما تثيره هذه الازدواجية من صعوبات تشريعية, اذا ما اريد تعديل ما ورد من احكام في القانون, حيث يتعذر تعديلها دون تعديلها في الدستور, وهو امر في غاية الصعوبة, لان تعديل الدستور يستلزم من الاجراءات ما لا يستلزمه تعديل القانون.
عضو محكمة التمييز سابقا
وعضو المحكمة الدستورية سابقا
والوزير الاسبق للتشريعات