وسط المخاوف الصحية والاقتصادية التي تعيشها البلاد تستعد البلاد للاحتفال بدخول المئوية الثانية من عمر الدولة. لهذه المناسبة اعدت اللجان برامج متنوعة لتسليط الضوء على الإنجازات التي تحققت خلال هذه الحقبة والتعريف بجوهر وفلسفة ونهج العمل الذي اتبعته خلال رحلتها والعوامل التي ساعدت على تحقيق البناء وتدعيم الإنجاز وتخطي العوائق والعقبات.
اتمام الأردن للمائة سنة الأولى من عمر الدولة حدث مهم يستحق الاحتفال والمراجعة والتقييم. فخلال هذه الحقبة التي بدأت مع نهايات الحكم العثماني وإعادة تشكيل العالم في اعقاب الحرب العالمية الأولى وتقسيم ما ورثه الحلفاء من البلاد العربية الواقعة تحت الحكم العثماني استطاعت الدولة والشعب ان يسيرا بخطى متسارعة نحو التقدم والحرية والاستقرار. فقد تمكن المجتمع الذي غلبت عليه الصبغة القبلية من التحول التدريجي من حالة البداوة والزراعة البدائية الى حالة توافق بين القبائل وتأسيس للتعليم الرسمي وبناء لاجهزة تدعيم الأمن والحفاظ على الاستقرار بالشكل والمستويات التي مهدت الى بناء المؤسسات وتحقيق الاندماج الاجتماعي والعيش المشترك بين المكونات العرقية والقومية والدينية.
خلال هذه الفترة الطويلة نسبيا نجح الأردن في ارساء الكثير من القيم والقواعد والممارسات التي حافظت على استمراره وزادت من منعته في وجه التغييرات والعواصف فقد كان له موقف واضح من بعض القضايا وآخر مرن ومدروس من القضايا الأخرى فلم يكن لينا ليعصر ولا صلبا فيكسر.
من بين كل أقطار العالم العربي وفي وجه كل مظاهر المناكفة والتشظي والتأمر التي عايشتها المنطقة اختار الأردن أن يتخذ موقفا مساندا للوحدة ومناهضا للانقسام وحافظ على علاقات مناسبة مع جيرانه العرب ومد يد العون لكل من احتاج لها منهم وبقي ملتزما بمبادئ وقواعد الدبلوماسية العالمية فجسد فكرة احترام ارادة الشعوب ومناهضة التدخل في شؤون الغير وبقي على مسافة واحدة من اطراف النزاع العربي العربي.
العقود العشرة الماضية كانت مليئة بالتحديات التي كان اولها اخراج شرق الأردن من المخططات اليهودية والوعد الذي منحته بريطانيا لليهود من خلال قرار عصبة الأمم الصادر في العام 1922 والسير باتجاه دمج المكونات الديمغرافية للإمارة واستيعاب الخلافات والمواقف وصهرها في بوتقة المؤسسات السياسية التي تأسست وتطورت مع تطور الدولة وتولي قوات البادية نواة الجيش العربي حماية الأمن وحراسة الحدود ولعب ادوار التنمية والدمج والتأسيس للهوية الجامعة.
على مدار سنوات المئوية الأولى كان الأردنيون وقياداتهم يقفون معا بايمان وعزيمة في وجه كل التحديات والصعاب متسلحين بالعقيدة والعزيمة ومستمدين قوتهم من الشعور بالحق والمعرفة الواعية بالتاريخ والصلة القوية بالمكان فقد دافعوا عن وجودهم ومقدساتهم بكل ما اوتوا من قوة فخاضوا المعارك وتصدوا لمحاولات البغي وكسر الارادة بالرغم من قلة الإمكانات وضعف التسليح وغلبة العدو.
على الصعد الداخلية نجح الأردن في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي في استكمال مسيرته التعليمية والصحية والتنموية فانتشرت المدارس وتأسست الجامعات وبنيت المستشفيات وتنامت شبكة للطرق واصبحت البلاد معهدا مفتوحا لتدريب الاشقاء العرب ومساعدتهم في مجابهة الأمية وبناء مؤسسات الجيش والأمن التي احتاجت العديد من الدول الشقيقة لها بعد الاستقلال.
في الأردن ونحن نحتفل بدخول الالفية الثانية ينبغي ان لا ننسى المئات من النساء والرجال الرواد في العمل التطوعي والمبادرات التي حققت إنجازات رفدت العمل المؤسسي وبقيت علامات فارقة في فضاء إنجازات الأردن المهمة.
من بين هؤلاء الرواد اسجل باحترام بالغ اشادتي بما قامت به السيدة هيفاء البشير من جهد ريادي سد ثغرة مهمة في جهودنا الموجهة لرعاية كبار السن حيث اوجدت بديلا لمن عاكسته الظروف ليختار الاقامة مع اقران يتشابهون في الحاجات والقدرة والمعاناة ويتلقون خدمات إنسانية وطبية واجتماعية تلائم ما يتطلعون له.
على صعيد آخر كرس الاستاذ عصام الزواوي أحد أعضاء الفوج الأول من خريجي قسم علم الاجتماع في الجامعة الأردنية حياته للعمل متطوعا مع الشباب فأسس منتدى لبناة المستقبل وتصدى مع رفاقه لعشرات الظواهر والمشكلات دون أن يتوقف يوما للبحث عن اعتراف أو شكر أو تقدير.
بهذه المناسبة وهذا العام يستحق المئات من النساء والرجال المنتشرين على ساحة الوطن تحية من كل مواطن على جهودهم وعطائهم وبنائهم الذي سيبقى بصمة على جدار الزمن الأردني الخالد.
الغد