لوياجيرغا اقتصادية أردنية للبحث عن التغيير
سامح المحاريق
03-01-2021 12:12 AM
في الرواية الشعبية يمكن أن تصل أرقام ملفات الفساد إلى مليارات طائلة، فعمليات الجمع البسيطة التي ستستلم لما يتم تداوله من أقاويل وتخمينات وتضم كذا مئة مليون ذهبت إلى فلان، ومليار وكذا إلى فلان، ستصل إلى أرقام لا تتناسب مطلقا مع موازنة عامة للدولة تدور في فلك عشرة مليارات دينار، وودائع بنوك اجمالية تدور حول رقم 35 مليارا، وهذه دافع آخر إلى التعجيل في الحرب على الفساد للوصول إلى رقم حقيقي يمكن بعد ذلك من الوقوف على الرقم الذي نتكبده نتيجة القرارات الاقتصادية الخاطئة، وأنماط الإدارة التي لا تتناسب مع ظروف الأر?ن بشكل عام.
ويمكن أن نضم إلى جانب الفساد، المعاملة التفضيلية لبعض الأشخاص التي حالت بين الأردن واستقبال مستثمرين حقيقيين، وانعدام الكفاءة وغيرها من الممارسات الاستنزافية، ويبقى جزء من أزمتنا المالية بعد ذلك مرتبطا بنمط مرعب يقوم على توفير مستوى معيشي للشعب الأردني يفوق قدرته على الإنتاج، ويقوم هذا النمط على المحافظة على سعر صرف الدينار الأردني الذي يبقى مشجعا على التوسع في الاستهلاك، واعتبار النمط الاستهلاكي المفرط أحد الحقوق المكتسبة التي لا يمكن التراجع عنها.
ومشكلة الاستهلاك في الأردن مركبة أيضا، ولنأخذ مثلا متوسط مساحة الشقة أو البيت في الأردن، وهو يفوق كثيرا المتوسط في بلدان كثيرة بعضها على درجة عالية من الثراء، وبعد الاستثمار في هذه السعة الفائضة التي تتركز لإرضاء السلوك الاجتماعي مثل العزائم والجاهات، نجد أن الإنفاق المرتبط بها يذهب جزء كبير منه إلى دول أخرى تصدر العمالة إلى الأردن، والجزء المتبقي يتحصل عليه المستثمرون في قطاع الإسكان، أما المواطن فسيجد أن لديه في منزله عشرات الأمتار الفائضة التي لن يستعملها سوى مرات قليلة من وقت إلى آخر.
هذا أحد الأمثلة، وفي الاستهلاك الغذائي أمور مشابهة، فالمزارعون والمستهلك النهائي يشكون على طرفي سلاسل التوريد، ويستفيد رأس المال المعد للتصدير مع أننا بحاجة له، وطبعا، يمكن أن تذهب إلى المطبخ في أي وقت وستجد بعضا من الفواكه والخضراوات التي تعرضت للتلف لأنها كانت أكثر من حاجتك، ولماذا علينا أن نفكر في التصدير بينما تستهلك مطابخنا جزءا كبيرا من انتاجنا في اللا شيء، سوى الشعور بالوفرة.
لننتقل القرارات الأوسع في حياة الفرد الأردني، فهو يريد تعليما جامعيا لأبنائه، ويريد وظيفة جاهزة ويفضل أن تكون وظيفة مكتبية، ويبدأ المحظوظون من الأبناء في عملية الاقتراض من أجل توفير سيارة أو شراء منزل وهكذا، وبينما كثير من القطاعات تبحث عن العمالة وتبدأ بالشكوى عند الحديث عن تصاريح العمل، نجد أرقاما هائلة تنتظر في ديوان الخدمة المدنية لوظيفة معلم يستطيع أن يحقق زيادة متواضعة في دخله السنة بعد الأخرى ليجد نفسه متقاعدا عند حدود الكفاف بعد رحلة عمر طويلة.
نحن بحاجة إلى لويا جيرغا اقتصادية تقوم على حوار مجتمعي، لتكون المهن الحرة بحاجة إلى تنظيم، ضمان اجتماعي وتأمين صحي، لنبحث ذلك، ولكن لا نتوقف عند المشكلة، ليكون التعليم المهني غير لائق اجتماعيا، إذن لنعتبره جزءا من تحول ثقافي يشبه ما أسسه الجيش العربي قبل عقود من الزمن حين كان رافعة لتشكيل الشخصية الأردنية المبادرة، ليكن لدينا غضب من طريقة اختيار الوزراء والمسؤولين، لنستثمر في اللا مركزية لتصبح هي الرافد الأساسي للدولة بالكفاءات التي تحتاجها بعد تلقيهم الخبرة الميدانية.
لنعترف بأن الحكومات ومجلس النواب كانا جزءا من المشكلة في البحث عن الشعبوية، ولا أحد يريد أن يتخذ الخطوات الأولى، ولا أن يغضب أحدا ولماذا عليه أن يفعل ذلك؟ ولنلتقط فكرة الحوار المجتمعي تحت مظلة المؤسسات القائمة مثل الحوار الاجتماعي الذي أطلقه مجلس الأعيان ذات مرة، ويعود رئيسه إلى الدعوة إلى تجديده، وليكن حوارا واسعا وشاملا يستقطب الأصوات غير المستهلكة وغير المستغرقة في تصفية الحسابات أو المقيدة في المصالح الشخصية، أصواتنا الحكيمة من كل الأحياء والقرى ممن لا يجدون الوقت في التسجيل المباشر أو تدبيج المقالات، ?ليكن دورنا الإعلامي هو مساعدتهم وصياغة رؤاهم التي ستختلف بالتأكيد بعد حصولهم على المعلومة ووضعهم في صورة التحديات.
الرأي