كيف يمكن إعادة تأهيل سيل الزرقاء؟
باتر محمد وردم
17-04-2010 05:42 AM
يمثل التدهور المتواصل لمكونات النظام البيئي في حوض نهر الزرقاء منذ ثلاثة عقود تقريبا واحدا من أكبر التحديات البيئية في الأردن ، حيث تتراكم في هذه المنطقة كافة مسببات التلوث البيئي المعروفة في الكتب الدراسية وفي المعرفة الإنسانية بشكل عام. وبالتالي تعتبر عملية إعادة تأهيل سيل الزرقاء مطلبا وطنيا ملحا ، وحتى في ظل الظروف البيئية الحالية السيئة والتي تتطلب استثمارا ماليا وفنيا عاليا في إعادة التأهيل فإن اي جهد منظم يبدأ الآن سيكون اقل كلفة منه في المستقبل ، كما أن كلفة الإجراءات التصحيحية التي يتم اتخاذها سريعا هي أقل من التكلفة المترتبة على تراكم التلوث في السنوات الماضية والقادمة.
عندما صرح وزير البيئة قبل ايام عن طموحاته الشخصية المشروعة برؤية مستقبل زاهر لمنطقة سيل الزرقاء تعرض كلامه للكثير من النقد والتشكيك ، وهذا منطقي بالنسبة للرأي العام نظرا للظروف البيئية السيئة الحالية. ولكن عملية إعادة تأهيل الأنهر والمواقع البيئية الملوثة ليست أسطورة بل تجارب حدثت في الكثير من دول العالم وتتطلب مزيجا من التخطيط السليم وتوفر الموارد المالية والبشرية والقرار السياسي الملتزم إضافة إلى عامل الوقت.
لقد تم في السنوات الماضية تفريغ نهر الزرقاء من كافة مصادر المياه الطبيعية تقريبا نتيجة الاستنزاف الجائر وزيادة الطلب ، وحاليا يمكن القول أن نهر الزرقاء ينقسم إلى جزئين. الجزء الجاف الذي يبدأ من عمان مرورا بالرصيفة والزرقاء وانتهاء بمحطة الخربة السمراء في الهاشمية حيث يحتوي السيل فقط على تدفقات من المياه العادمة شبه المعالجة ومياة ناجمة عن الأنشطة البشرية والزراعية ولا يحتوي النهر على المياه العذبة إلا في فصل الشتاء اعتمادا على مياه الأمطار. أما الجزء الثاني المعتمد على المياه العادمة المعالجة من محطة الخربة السمراء وحتى سد الملك طلال والمنطقة السفلى من السد حيث تشكل المياه العادمة المعالجة النسبة الأكبر من المياه وتستخدم في بعض النشاطات الزراعية المقيدة وغير المقيدة خاصة بعد أن تحسنت نوعية المياه بعد توسعة محطة الخربة السمراء وتغيير نظامها لمعالجة المياه العادمة.
أن أية استجابة استراتيجية لإعادة تأهيل سيل الزرقاء يجب أن تعمل على تنظيف السيل من المخلفات الصلبة وتجريف السيل وجعل مساره منتنظما وأن يكون حوض السيل ملكية عامة للدولة تمنع إقامة أية منشآت عليه ، وأن يتم تغيير الخط الناقل للمياه العادمة المنزلية الذي يمر عبر سيل الزرقاء من محطة عين غزال إلى الخربة السمراء بحيث يمنع أي تسرب للمياه العادمة وأن يتم العمل على تخفيف الضغط على الآبار الجوفية وتنفيذ مشاريع لحصاد الأمطار لاستعادة الحد الأدنى من الجريان المائي في السيل. ولكن كل ذلك يجب أن يترافق مع برامج رقابة ومنع لكافة مصادر التلوث الصناعية والمنزلية وأن تكون هناك جهود منظمة من المجتمعات القاطنة على امتداد السيل لحمايته من التلوث وتقوية القدرات الزراعية وخاصة في الرصيفة التي كانت أفضل مصدر للمشمش البلدي في الأردن ويمكن أن تعود لإنتاج هذه الأصناف في حال توفر المياه.
من الإجراءات المطلوبة ايضا العمل على إنشاء مناطق حماية طبيعية يتم إدارتها من قبل المنظمات غير الحكومية أو المجتمع المحلي بهدف إعادة تأهيل وحماية بعض المناطق ذات الأهمية الفريدة في سياق التنوع الحيوي وخدمات النظام البيئي وتحسين القيمة السياحية للمنطقة ، وكذلك إعادة هيكلة النشاطات الزراعية في حوض سيل الزرقاء بحيث تطابق المواصفات الأردنية وتستجيب للتغيرات في نوعية وكمية المياه وتتحول نحو الأنماط الزراعية المستدامة وتحسين كفاءة الري وزيادة الرقعة الخضراء على جوانب سيل الزرقاء في الأراضي الحكومية وتطوير مبادرات شراكة للتشجير في المساحات المملوكة للقطاع الخاص.
إن الخيار الآن هو إما القبول بالوضع الحالي لسيل الزرقاء وبالتالي اعتباره ميتا وتحضير جنازة وطنية تليق بتاريخ هذا النهر وعمقه البيئي والثقافي والتراثي والاجتماعي أو أن يتم اتخاذ قرار بضرورة العمل على تصويب الأوضاع والتركيز على إيجاد الخيارات الخلاقة بدلا من الركون لليأس.
batirw@yahoo.com
الدستور