يفترض كثير من المواطنين أن من يتصدرون المشهد السياسي هم الأكثر معرفة بالشأن العام، والأكثر دراية بدهاليز السياسية وأنفاقها، والأكثر حرصا على تحقيق الصالح العام. نقول لهم افتراضاتكم هي مجرد أوهام وليس فيها شيء من الصحة والواقعية حيث أن كثير من هؤلاء السياسيين وصلوا لمواقعهم البرلمانية أو الحكومية او الوزارية أو الجامعية بطرق ملتوية ومغشوشة. بعض هؤلاء من أصحاب الألقاب دولة، سعادة النائب أو العين أو المعالي أو العطوفة غير مؤهلين من حيث الكفاءة ولا من حيث الأخلاق لتمثيل الناس أو التحدث باسمهم. نعرف عن بعض الشخوص الذين لديهم قيود أمنية متعلقة بتهم الرشوة، والاغتصاب، وتزوير الشهادات العلمية، والشيكات المرتجعة وغيرها من الأفعال المشينة التي يندى لها الجبين ثم بعد ذلك وبقدرة قادر نجدهم يتحدثون عن السياسات الداخلية، وعن حصافة القضاء، وعن الاستقامة في العمل. المدهش في الموضوع أن هؤلاء الزعران السابقين يركزون في حواراتهم وكلماتهم على الأشياء التي يفتقدونها مثل الشرف، والمحافظة على المال العام، ونظافة اليد، والتفاني في العمل. إنهم زعران بكل ما حمل الكلمة من معنى فلا تغرنكم بدلاتهم الأنيقة، ولا ربطات أعناقهم الحريرية، ولا سياراتهم الفارهة، ولا عطورهم الفواحة التي لا يمكنها أن تغطى على نتانة أفعالهم وسرقاتهم ورشواتهم.
يا ترى من الذي يصنع هؤلاء؟ وكيف يتحول شخص أخرق بين عشية وضحاها الى شخصية عامة تتحدث باسم الجماهير؟ ومن الذي يدفع بهؤلاء الى سدة السياسة والحكم؟ يمكننا أن نتفهم تعيين شخص ممالئ أو منافق ليصبح وزيرا أو عضوا في مجلس الأعيان أو مجلس أمناء جامعة أو مؤسسة عامة من باب امتصاص الناس ، واحتواء المعارضة أحيانا، (Cooptation) أو شراء الذمم ومكافأة المسحجين ليستمروا بالعمل أبواقا مأجورة للباطل ، وشرعنة سياسات حكومية بائسة ، ولكننا لا نستطيع أن نفهم كيف تقوم الجماهير بانتخاب بعض من الشخوص لمجلس النواب أقل ما يقال فيهم أنهم سحيجة ولهم سوابق في الفساد والاحتيال والنصب؟؟ كيف يفرز المواطنون من يمثلهم ويشكل رقابة على السلطة التنفيذية إذا كان هؤلاء الشخوص هم أنفسهم فاسدون ولديهم تاريخ من الزعرنة السياسية؟
يخرجون علينا هؤلاء المدعون بأنهم سياسيون ينظرون علينا في الاستشهاد ،والانتماء لثرى الوطن، وتقديم مصلحة الاردن والتضحية من أجله ، وهم لا يقدمون للوطن شيئا ،والحقيقة لا نريد منهم أن يقدموا شيئا وإنما نريد منهم فقط أن لا ينحروا الوطن ولا يسرقوه.
أحد المعارضين من البعثيين القدماء سبق وأن تقلد مواقع وزارية عديدة ورتب وضع أولاده في مواقع متقدمة وعندما يتصدر الجلسات ينظر على بعض المغفلين من أقاربه ومعارفه بطريقة تشعر السامعين أنه المناضل تشي جيفارا؟
أحد المسئولين السابقين الذين لم نعهد عنه التدين ولا الصلاة وهم معروفين بقلة الالتزام الديني يدعونا الى تشكيل لجنة لمراجعة الموروث الديني لتنقيته من الخرافات الله أكبر، والله أن شر البلية ما يضحك..
يزعجني ما أسمع من أحد النواب الذي أقيل من إحدى مؤسسات الدولة على خلفية قضية، عندما يتحدث تعتقد بأنه الإمام الغزالي أو ابن تيمية من كثرة استشهاده بالأحكام الشرعية؟
رؤساء وزراء يعينون أبنائهم وبناتهم في الوظائف القيادية ورئاسة الوزراء والسلك الدبلوماسي وبدون إعلان وبصلف شديد (عينك عينك) ويطالبون الناس بالتضحية والفداء وأن يصبحوا مشاريع شهادة ضد أعداء الوطن واعجبي.
خلاصة القول السياسيين لم يعودا نخبا في بلدنا وان العاملين والمنخرطين في السياسة ليسوا جميعهم سياسييون حقيقييون ، وأن بعضهم زعران امتطوا ظهر السياسة لتحقيق مصالحهم وبلطجيتهم. مثل هؤلاء يمكن أن يكونوا في أي موقع في الدولة ويحملوا أعلى الألقاب ويمتلكوا من النياشين والدروع والأوسمة ما تنوء به أكتافهم ومناكبهم ولكنهم كالذين يحملون أسفارا فبئس الحامل والمحمول.
حالنا ووضعنا السياسي وإدارتنا الحكومية لن تشهد تحسنا وتبدلا ما دام المسرح السياسي يسيطر عليه سياسيين يغلب على سلوكهم وتصرفاتهم سمة الزعرنة والفهلوة. والحقيقة التي لا بد من مواجهتها هي أن المشكلة تكمن ليس في السياسيين أنفسهم بقدر ما تكمن في الاليات والقنوات التي تتيح لمثل هؤلاء من التقدم في الرتب السياسية الادارية ، والنمو الوظيفي والتسلق إلى أعلى المراتب في أجهزتنا السياسية والإدارية.
ونحن نرى في هذا السياق بأن على المسؤولين والحكومات التوقف عن اجتذاب السحيجة والزعران وتوظيفهم ليعملوا أبواقا لهم حيث أن هذا الأسلوب في انتقاء القادة والساسة والبطانة المحيطة بالمسئولين تفسد المجتمع وتعصف بقيمه العليا وتنشئ جيلا من المنافقين والمتهافتين على السلطة والجاه والمستعدين لفعل الموبقات من أجل تحقيق غاياتهم وأهدافهم.