مسار عمّان .. تسكننا ونسكنها
عبدالرحيم العرجان
02-01-2021 12:58 PM
لكلٍ منا مدينة يتعلق بها وينتمي إليها، وبها تدور أهم مراحل حياته وبداية استكشافه وتطلعاته وسر نجاحه. عمّان عاصمتي التي تسكنني وأسكنها فبالرغم من أنني تغربت وسافرت كثيراً ولكن حنيني بدأ لأول منزل مهما تنقل الفؤاد من الهواء كما قال الشاعر أبو تمام مختصر بذلك كل الكلمات.
نتوجه في مساراتنا بالعادة خارج المناطق السكنية والطرق المعبدة تاركين لأقدامنا عنان الأرض والسير فيها، ولكن ارتَأينا أن يكون بداية العام الجديد مسار مختلف ليكون في عمان موطن الأجداد وأرض الحضارات "قلب عمون".
الانطلاق من جبل القلعة
انطلقنا من نواة فيلادلفيا جبل القلعة -قلب جبال عمان القديمة-بعد جولة في قلعة الحصينة وقصرها الأموي الإسلامي وبركته ومعبد هرقل الروماني وقصته الشهيرة وكنيسة البيزنطية وأسوارها وأبراجها المطلة على قصر رغدان العامر والمدرج الروماني وجامع الحسين وأسواق وسط البلد وتحديد وجهات مسارنا مع الصباح الباكر حتى الغروب.
جبل الحسين
وهو جبل العلم والمعرفة ففيه كلية الحسين التي خرّجت أجيالاً من خيرة الخيرة ومدرسة الفرير التي تأسست عام 1950 وبالقرب منها مدرسة راهبات الناصرة وسكينة بنت الحسين التي كرّمت مديرتها السابقة جل تكريم، وميدان فراس العجلوني والدوار الذي يحمل اسم مكسيم جورجي، وأسواق ومحلات حلي ومجوهرات وملابس عريقة عرفت بازدحامها من قبل افتتاح مراكز التسوق والمولات، لنصل الى دوار الداخلية ميدان عبدالناصر وجسوره المترابطة أمام مركز المحافظة وجاليري قدرات " ابيليتز Abilities" ببرج الاتحاد العربي الدولي للتأمين الذي استضاف وأقام العديد من المعارض الفنية والذي يلعب دور كبير في تنمية الإبداع والدمج ما بين الثقافة والتكنولوجيا وزيارة متحف حابس باشا المجالي قائد الجيش العربي، لنتوجه لوجهتنا الثالثة جبل الويبدة بعد المرور من أمام وزارة الصناعة والتجارة وشركة الفوسفات والمستشفى الإسلامي ومجلس الأمة وقصر العدل وتقابل جرس الكنائس لمسجد الملك عبدالله الأول الذي يضم المتحف الإسلامي ومركز المؤتمرات بمنطقة العبدلي.
جبل اللويبدة
جبل الثقافة والفنون وملتقى رواده في بيوت تراثية تحولت إلى مقاهي، ففيه دار الفنون ذات الدور الثقافي المشار إليه بلبنان ومحافظاتها على سلسلة من البيوت التي رممت كما كانت بزمن قاطنيها وأكبرها البيت الرئيسي الذي كان لقائد الجيش البريطاني لغاية عام 1938 وبيت حاكم عكا الأسبق السيد إسماعيل عبدو المعروف بالبيت الأزرق، وبيت فؤاد الخطيب وبيت البيروتي. وفي ساحتها بقايا كنيسة بيزنطية تم المحافظة عليها وأعمدتها ماثلة لغاية اليوم. وقربها مستشفى لوزيلا 1948 والمقر القديم للجيش، وجاليري دار الأندى والسفارة الإيطالية سالكين شوارعاً سُميت بأسماء كتّاب وشعراء ناطقين بالضاد من عصور مختلفة، لتكون استراحتنا الأولى في ميدان باريس أمام بيت عبدالرحمن أبو حسان، وزير الاقتصاد المحنك والمركز الثقافي الفرنسي، ومنه توجهنا إلى بيت يعيش الأجمل بين بيوت عمان القديمة ذو الطراز المعماري الفريد المبني بالحجر الوردي المقدسي والذي أصبح منذ عامين مقراً لجمعية المحافظة على البتراء، وبالقرب منه جامع الشريعة وواجهته الملونة الفريدة وبه صلينا ظهر يومنا، لنزور بعده المتحف الوطني للفنون الجميلة وحديقته المملوءة بالمنحوتات لمدارس وأفكار فنية مختلفة اختيرت بعناية تحت إشراف وإدارة سمو الأميرة وجدان الهاشمي، وأيضا فيه عدد من مراسم الفنانين منهم عصام طنطاوي، جمان النمري وسهيل بقاعين بإدارته ومشاريعه الإنسانية.
جبل عمان
الجبل الدبلوماسي العريق، وبعد المرور بمنطقة البوليفارد العصرية بين وكالات فارهة وعبور جسر وادي صقرة وصلنا الدوار الرابع ميدان سمو الأمير غازي بن محمد المطّلة على رئاسة الوزراء وبقربها بيت دندن الذي كان يعتبر نهاية بيوت عمان القديمة بالستينات ومن فوقها برج تلفاز معدني كان مثالاً بالتصميم والعلو، وما زال يحرص أصحاب البيت على صيانته لرمزيته لغاية اليوم، ومقابله قصر بسمان الزاهر مقر الديوان الملكي الهاشمي 1950 وقد أطلق عليه جلالة الملك عبدالله المؤسس هذا الاسم تيمنًا بالفرح والسرور في شارع حفّ بأشجار السرو والذي يعد الأجمل بالعاصمة. وبعد عدد من السفارات التي مررنا بها منها الفرنسية والروسية والإسبانية والإيرانية والرجم الملفوف التاريخي ضمن مساحة دائرة الاثار العامة وبعضٍ من بيوت السياسيين كبيت زيد الرفاعي، ومضر بدران ومروان القاسم والاقتصاديّ شومان والياسين وماضي.
وصلنا الدوار الثالث ميدان الملك طلال المحاط بفنادق الخمس نجوم، وأقدمها فندق الأردن انتركونتيننتال الذي أُفتتح عام 1963 وبجانبه مصرف الرافدين متجهين نحو الدوار الأول بعد المرور بالكلية العلمية الإسلامية والسفارة العراقية ذات البوابة الزرقاء البابلية ومكتبة عبدالحميد شومان ذات الدور المهم في دعم وتبني المشاريع الثقافية الهادفة، سلكنا شارع الرينبو الذي يعج بالمقاهي والمطاعم وبه مطعم سندويشات فلافل القدس الأشهر في عمان، وفي نفس الشارع البيت الأول للملك طلال الذي سكنه عام 1934 البسيط المتواضع وعاش وترعرع به جلالة الملك الحسين رحمه الله إلى أن بلغ سن الثالثة عشر واخوته أصحاب السمو الأمراء إلى جوار بيت الشريف شاكر بن زيد والبلبيسي ومنكو والتلهوني وشعشاعة وتوفيق أو الهدى ابن عكا الذي أصبح رئيس للوزراء لعدة دورات وعاصر ثلاثة ملوك هاشميين والذي أصبح صالة عرض لمؤسسة أبو غزالة للفن المعاصر والمبني عام 1925، وفي نفس المحيط يقام سوق جارة الشهير وبالمحيط جاليري نبض ووادي فينان والهيئة الملكية للأفلام.
قاع المدينة
سلكنا أدراجاً قديمةً للوصول إلى قلب المدينة مروراً بمبنى البريد القديم وديوان الدوق الثقافي الذي اتخذ من فندق حيفا من أملاك عبد الرحمن ماضي 1924 مقراً له، وبعد استراحة سريعة لتناول طبق كنافة حبيبة النابلسية، اتجهنا لساحة الجامع الحسيني وهي إحدى أهم المعالم لشارع طلال وصولاً إلى متحف الأردن الذي يقدم تاريخ المملكة من قبل الحضارة حتى يومنا هذا بمبنى حديث مجهز بأعلى المستويات المتحفية.
جبل الأشرفية
إحدى أقدم وأهم جبال عمان وهو خير مثال للتجاور والتآخي ففيه أكبر عدد من المساجد والكنائس والمراكز الدينية والاجتماعية وحاراتٍ وأحياء لشتى الأعراق والأصول، فتجاور به الأرمن والدروز من بني معروف وشيشان ومسلمين ومسيحيين دون أدنى تفرقة بيهم مكللين بالمواطنة والقانون.
سلكنا طلوع المصدار مروراً بمدرسة الراهبات الوردية 1949 وما به من محلاتً ووكالاتٍ تجاريةٍ مختلفة وصولاً لشارع بارطو ومستشفى البشير الحكومي لتكون استراحة الغروب من المطل بجانب مسجد ابو درويش ذو الطراز الهندسي الدمشقي بحجره البازلتي الأسود والأبيض 1991 ومن هناك كانت إطلالتنا على كل عمان قاطبة من أعلى جبالها وأسفل منها مدرسة محمد إقبال التي تخرجت منها تحت إدارة المربي الفاضل بسام الخصاونة الذي لم يكن يرسب بزمانه طالب.
وبالجبل مدرسة السريان التي حُولت لجمعية وكنيسة لهم وكنيسة الأرمن ومدرستهم ونادي شبابهم الهمونتمن والكثير من الأدراج والحواري التي تحمل أسماء عائلات منها العورتاني، النبر، حجازين والزعبي.
جبليّ التاج والجوفة
ومن أسفل الأشرفية سلكنا وادي السرور والذي فيه مشغل محيسن لصناعة الشباري والخناجر متجهين إلى جبل الجوفة الأكثر كثافة سكانية في عمان مروراً بحي الطفايلة والعكارمة والمحاسرة والنجادوة والمخيم الفلسطيني، وسمي بالجوفة لأن المدرج الروماني يشكل تجويف فيه، وأعلى منه بنى الدوق ممدوح البشارات بيته.
أما جبل التاج سميّ بهذا الاسم لكونه كالتاج ومشرف على جبال عمان وقصر رغدان وقد سكنه العديد من الوجهاء والأعيان وما زالت بيوتهم ماثلة بعد أن ارتحلوا إلى غرب عمان مثل كثير من الناس منهم أحمد صدقي باشا رئيس هيئة الأركان 1920 وهو أحد مرافقي الملك المؤسس، واستملكته أمانة العاصمة وضمته لسجل التراث العمراني. ومن هناك كان طريقنا إلى المدرج الروماني الذي بُني عام 138م والذي يتسع لخمسة آلاف مشاهد ضمن ثلاث مستويات وأربعة وأربعين صف واعتلى خشبته مشاهير الفنانين والفرق المسرحية والموسيقية، وفي أروقته متحف الحياة الشعبية الذي تبرعت بمعظم محتوياته السيدة سعدية الجابري عقيلة رئيس الوزراء الشهيد وصفي التل، لنعود مرة أخرى إلى نفس النقطة في جبل القلعة وللاستمتاع بغروب الشمس متخللاً أبراج عمان، بمسار يصنف ذو الطويل الاستجماميّ المتوسط الصعوبة والذي لا يحتاج إلى أدوات سوى حذاءٍ مريح دون حمل طعام وشراب كوننا في المدينة.