هكذا أفكر - آراء ومواقف للروابدة
د.حسام العتوم
02-01-2021 11:59 AM
بداية أقول هنا بأن دولة الرئيس الأسبق عبد الرؤوف الروابدة المعروف بحسه الوطني الأردني والقومي والإسلامي رفيع المستوى، وسبق لي أن استمعت لعدد من محاضرات دولته الذكية، الدقيقة الملاحظة، والعميقة الثقافة، والطليقة في اللسان.
وسبق لدولته أن هاتفني مباركا صدور كتابي الثاني عام 2020 "الرُّهاب الروسي غير المبرر " . لكن ظرف جائحة كورونا منع لقائي شخصيا به. وعندما اقتربت من كتابه الجديد هذا الصادر عام 2020 أيضا، وبعنوان " هكذا أفكر - آراء ومواقف "، ووجدته مغلفا، تبادر لذهني الاعتقاد بأنه جاء به ليكشف للرأي العام أسرار وكواليس عمله العام عبر فترة طويلة من الزمن منذ أن كان عضوا في المجلس الوطني الاستشاري عام 1978 وحتى رئاسة مجلس الأعيان مرورا برئاسة الوزراء، وقبلها بأمانة العاصمة، والفوسفات، والصحة، والنقل، والأشغال العامة، والتعليم، والمواصلات، وحزبي اليقظة والوطني الدستوري، والصيدلة، والبرلمان. وخطر ببالي أن يكون الكتاب سيرة ذاتية، لكنه جاء واضحا كما الشمس، ليتحدث في الشأن الوطني الأردني وبعمق وتنوع.
وكتب دولته بوضوح بأن كتابه تضمن محاضرات ودراسات وخطابات، جاءت في أوقات وظروف عديدة. ويكتب دولته بنفسه على الصفحة الأخيرة التي تتقدمها صورته المشرقة الجميلة بالعباءة الأردنية - العربية ( آراء مبثوثة، لا تدعي الحكمة المطلقة، ولا تحتكر الحقيقة، والخطأ فيها إحتمال لكن الصواب هو الهدف، وأملي الفوز بأجرين عن الإجتهاد، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل)، انتهى الاقتباس، وتعليقي هنا هو بأنه أظهر لنا نحن القراء وسط الرأي العام تواضعا فريدا من نوعه انطلق من شخصيته الوطنية والقومية والإسلامية القوية شديدة الذكاء. ولا نستطيع إلا أن نرفع لها شورتنا وعقالنا احتراما وتقديرا.
هنا يصعب اختزال الكتاب هذا المكون من 576 صفحة بمقالة، لذا فأنني سأركز على ما أختاره، وأعتقد بأنه مفيد لي و للقاريء الكريم من دون الانتقاص من باقي ما تضمنه ومع خالص الاحترام. ففي صفحة 15 منه كتب يقول: "لقد بنيت الدولة الأردنية الحديثة على فكرة ودور، وعلينا دائما أن نعي هذه الفكرة وأن نفهم ذلك الدور فيبقى الأردن مستودع الثورة العربية الكبرى وحامل لواء مشروعها النهضوي ورسول الوفاق والاتفاق". وهنا والكلام لي فأنني كصحفي وإعلامي وأكاديمي، لم أجد أجمل وأقوى من جملة: "الأردن مستودع الثورة العربية الكبرى" عند الروابدة، وبالفعل لقد شكلت الثورة العربية الكبرى المجيدة منبعًا ومستودعًا لبناء دولة الأردن وإعلامه الوطني، وأسس - الأمير عبد الله الأول بن الشريف حسين- وسط البناء الأول صحافة الاستقصاء بتوقيع (ع)، وذهبت الثورة في مقصدها إلى بناء بلاد الشام والدولة العربية الواحدة، وهو ما أكده لنا المؤرخ الأردني الكبير الراحل سليمان الموسى في كتابه: ( الحركة العربية – سيرة المرحلة الأولى للنهضة العربية الحديثة . ص 695،) حيث كتب يقول : ( .. وبحيث تتمثل الوحدة في العَلم الواحد والنقد الواحد وجوازات السفر الواحدة، والمصالح الاقتصادية الواحدة والجيش الواحد ).
وفي صفحة 17 منه كتب الروابدة يقول أيضاً: ( كانت أرض الأردن حديقة غناء، وقد قارن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عمان و الجنة إذ قال: إن حوضي من عدن إلى عمان البلقاء، ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل) . ويقال أن الرسول صلى الله عليه وسلم استظل في رحلته إلى الشام بظل شجرة ما زالت قائمة حتى اليوم قرب الصفاوي بمحافظة المفرق. وتعليقي هنا هو بأنه آن أوان إثبات المكانة التاريخية للشجرة (البقيعاويه شجرة الحياة ) التي استظل بها رسولنا العظيم -أو يعتقد ذلك- أثناء رحلته إلى الشام بقصد التجارة، لتبقى شاهدة عيان على تاريخنا العربي والاسلامي العريق، وهي التي زارها مؤخرا بتاريخ 11 كانون اول 2020 حسب الإعلام الأردني وزير الأوقاف محمد الخلايله ووزراء لإحياء موقعها ليكون مقصدا، تماما والقول هنا لي كما أثبت ( الفاتيكان ) بأن المغطس الأردني هو المكان التاريخي الشرعي الوحيد لتعميد السيد المسيح، وتحول إلى مقصد للحجيج المسيحي من كل العالم.
تضمنت صفحة 27 من الكتاب سطورا قوية حملت معانٍ عميقة، حيث كتب الروابدة يقول: "فالبيت الهاشمي يمتد نسبه إلى الرسول الأعظم "محمد" صلى الله عليه وسلم، الأمر الذي يجعل النظام في منأى عن الطعن بشرعيته فالأمة لا تسلم قيادها طواعية إلا لهذا البيت من قريش. من هنا جاء النص الدستوري على أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة، كما أن الإسلام هو المصدر الأساسي في التشريع، والمجتمع الأردني إسلامي الحضارة بعناصره المختلفة، وهو يستمد القدوة من إرثه الحضاري دون انغلاق، ومنفتح على العصر دون إغراق . .. ومن هذا المنطلق جاءت مبادرة جلالة الملك بإصدار رسالة عمان عام ( 2004م) بهدف إبراز الصورة الحقيقية للإسلام ..). وهنا دولة الرئيس الروابدة يضع النقاط على الحروف، ولا يترك مجالاً لرسام معارض أن يتجاوز ما كتب بالرسم خارج لوحته الفنية الحكيمة ذات البعد التاريخي والسياسي . وفي رسالة عمان رد و مواجهة لكل متطاول - والتعليق هنا لي،- وهي بيان للناس في ديار الإسلام، وفي أرجاء العالم، وإبراز للصورة الحقيقية للإسلام ووقف للتجني عليه. وتثبيت لمباديء الإسلام ( توحيد الله، والايمان برسالة نبيه، والارتباط بالخالق بالصلاة، وتربية النفس بصوم رمضان، والتكافل بالزكاة، ووحدة الأمة بالحج إلى بيت الله الحرام لمن إستطاع سبيلا ) . ودعوة لاحترام كافة الأديان ( ذلك أن أصل الديانات السماوية واحد، والمسلم يؤمن بجميع الرسل، ولايفرق بين أحد منهم، وإن إنكار رسالة أي واحد منهم خروج عن الإسلام ). وهو ماورد نصاً في رسالة عمان التي ترجمت إلى معظم لغات العالم.
أفرد الروابدة في صفحة 43 مساحة لموقف الأردن من النظام الدولي، فكتب يقول: (بدأت نظرة الأردن الدقيقة للوضع الدولي في مطلع الخمسينات، حين كانت سياسته تقوم على إقامة العلاقات الجيدة مع الدول الحليفة والصديقة، ثم انتقلت في الستينات إلى الحياد الإيجابي ودعم حركة عدم الانحياز، وتطورت في السبعينات إلى بناء علاقات وجسور مع العالم، تتفق والمصلحة العليا للوطن، وسادت في الثمانينات شعارات الحوار مع الدول والمنظمات الدولية والإقليمية، بهدف القيام بدور مميز على الساحة الدولية. تلا ذلك استعمال مسلمات السياسة الدولية مثل احترام الشرعية الدولية وسيادة الدول وسلامتها الإقليمية وحق تقرير المصير ورفض الهيمنة الدولية. وكتب يقول... لقد أثمر هذا الحراك السياسي واتصالات المرحوم الملك الحسين وعلاقاته الدولية صورة ودورا مميزين للأردن استثمره جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين وأضاف إليهما بفعالية متميزة. إنتهى الاقتباس .
وتعليقي هنا وبتواضع، بأنه كان بإمكان دولته أن يأتي بالتفاصيل وسط ما أورد من من خطوط سياسية عريضة، خاصة ونحن نعرف بأن الأردن لم يجامل بريطانيا على حساب مصلحته الوطنية العليا، فعمل بجهد الشارع الأردني - المنظم سياسيا ووطنيا وقوميا وإسلاميا وحتى شيوعيا في ذلك الوقت، وبجهد واضح وجريء للحسين الراحل - من تعريب قيادة الجيش العربي الأردني وطرد كلوب باشا وإثنين من معاونيه، والقدوم بقيادة أردنية تَقدمها الجنرال راضي عناب . وفي الستينات إنصاع الأردن لقرار جمال عبد الناصر ودخل معركة حزيران التي رفضها وصفي التل. وقادت أزمة مرحلة السبعينات إلى قرار فك الارتباط عام 1988 الذي تحدث عنه الروابدة في صفحة 237، والتي أكد فيها "بأن فك الارتباط هذا ينصرف إلى الأمور القانونية و الإدارية التي كانت تربط الضفتين ولا يتجاوز ذلك بشكل من الأشكال إلى الأمور الوطنية فقضية فلسطين هذه قضية الأردن الأولى والمركزية، كما لا تنصرف للالتزامات القومية فلأردن جزء من أمته العربية كما هي فلسطين والتزامه بقضيتها واجب قومي لا مراء فيه".
وكان بالإمكان عند الروابدة وبعد خالص الاحترام تفصيل المراحل السياسية الأردنية تباعا من التسعينات ايضا وحتى يومنا هذا و لو باختصار، و"التعمق في الكتابة أفضل من التوسع فيها". فتجاوز الأردن للأزمة العراقية - الكويتية أمر هام، ولأزمة العراق أيضا عام 2003، وانعكس ذلك على سلامة الاقتصاد الأردني. ووسط الربيع العربي، أظهر الأردن تماسكا أدهش المنطقة عبر تقديمه للسياسة على الأمن، وواصل استقراره ليودع مائة عام من عمره، وليفتح الطريق أمام مائة عام جديدة تتطلب من أبنائه تحمل مسؤولياتهم الوطنية بإقتدار.
وفي صفحة 55 من الكتاب يتحدث الروابدة عن أهمية التمسك بالدستورية تحت عنوان "الانتماء الوطني"، ويكتب: "صحيح أن الدستور ليس قرآنا منزلا، ولكنه العقد الذي توافق الشعب عليه، فليس من حق أحد أن يختار من بنوده ما يريد ويترك مالا يريد، وليس من حق أحد أن يرفض تطبيق أي من بنوده، ولكن البرلمان يملك حق تعديل الدستور بأسلوب وضّحه و فصّله الدستور نفسه. وما رغبت بمتابعته هنا والاستماع إليه، و الكلام لي، وهو ليس شرطا ما يتعلق بالمادة السادسة منه ( 1) " الأردنيون أمام القانون سواء، لا تمييز في الحقوق والواجبات وإن اختلفو في العرق أو اللغة أو الدين "، وما ألاحظه في بلدي الأردن هو تغليب للأتوقراطية على الدستورية الديمقراطية في اختيار النخب السياسية القيادية وتكرار حضورها، وعدم تجديدها وسط مساحة جغرافية صغيرة ذات عمق كبير، وبعد قياس عمر الانسان الأردني المبدع فيها. وعبارة قوية في صفحة 65 لفتت إنتباهي فسرت لنا شعار ( الأردن أولا ) أعجبتني وهي تقول: (الأردن أولا، لاستثارة همم الأردنيين لمزيد من العمل الصادق للبناء والتنمية وعدم الاكتفاء بالتغني بحب الوطن). وهنا دعوة لنا نحن الأردنيين وسط محيطنا العربي لكي نعتمد على أنفسنا في ظل غياب الوحدة العربية التي نفتقدها ونحتاج لها، وندعو الله أن تتحقق فعلا لا قولا فقط. ولدينا في الأردن ما بإمكاننا أن نعتمد عليه (الأرض، والقوى البشرية، والمكتنزات الطبيعية، والحضارات السياحية ومنها الدينية، وبحرين في مكان واحد الأحمر والميت).
وفي صفحة 77 من هذا الكتاب القيم يكتب لنا الروابدة (إن طريق الإصلاح لابد أن يكون من خلال مجلس الأمة، فهو صاحب الشرعية في التشريع والرقابة السياسية، ممثلا حقيقيا للشعب، والتشريعات هي التعبير التطبيقي لعمليات الاصلاح. إن تجاوز البرلمان يؤدي إلى أن نقبل ما يدعوه البعض شرعية الشارع كما جرى في بعض الدول، وهو تعبير مستحدث بعد أن قبلنا في مرحلة سابقة الانقلابات العسكرية سبيلا للإصلاح السريع فدفعنا ثمنا غاليا من تغييب الديمقراطية والحرية و الكرامة والتنمية). إنتهى الاقتباس، وتعليقي من جديد هنا هو بأننا في الأردن - ولا أتحدث عن العرب- بحاجة لرفع سقف الولاية العامة للبرلمان ولقراراته إلى مستوى متقدم، ومثلي هنا صفقة الغاز مع إسرائيل التي أرهقت البرلمان السابق الثامن عشر، والشارع الأردني أيضا أثناء مواجهتها، وهي المرفوضة.
إن آخر محطة في كتاب الروابدة هذا والتي أرغب هنا أن أتوقف عندها هي ما أورده في صفحة 103، حيث كتب دولته قائلا ( .. كان قدر الأردن أن يكون أحد التوائم الأربعة التي ولدتها اتفاقية سايكس بيكو المشؤومة. وكانت الحافة الأولى أن يكون الأردن التوأم الوحيد الذي حمل إتهام السايكس بيكوية بينما نجا أشقاؤه الثلاثة من ذلك الاتهام . سوريا ورثت اسم المنطقة، .. لبنان كان له شبه كيان في الدولة العثمانية، ..فلسطين خضعت للحكم البريطاني المباشر الذي صنع كيانها. أما الدولة الأردنية " حكومة الشرق العربي حينئذ " تشكلت من أربعة أجزاء لم يكن لأي منها مكونات الدولة. وقصد الروابدة هنا كما كتب بنفسه ( لواء حوران، ولواء البلقاء، ولواء الكرك، وولاية معان).
وتعليقي هنا -وبعد خالص الاحترام للعصف الذهني لدولته أعلاه-، فأن الاستعمار الذي تكون من إستعمارين إنجليزي وفرنسي، ومثلهما سرا السير مارك عن بريطانيا، والمسيو جورج بيكو عن فرنسا في مايو/ 1916- قصد الهلال الخصيب وبلاد الشام كلها، ولم يستهدف الأردن فقط. وتفاوض سايكس – بيكو في روسيا على المناطق التي تتعلق بالدول الثلاث. (دولة عربية من(أ) الموصل وحلب وحماة ووحمص ودمشق و(ب)" كركوك وشرقي الأردن و النقب والعقبة "، وإخضاع الساحل السوري من إسكندرونة شمالا حتى صور جنوبا لحكم فرنسا، وبغداد والبصرة لحكم بريطانيا . وإدارة دولية لفلسطين . ويبقى ميناء حيفا وعكا لبريطانيا ( الحركة العربية. سليمان الموسى .ص.391392)، تماما كما الصهيونية التي لم تضع تحت هدفها قطرا عربيا واحدا بعينه، وتم بالتدريج إستهداف إيران أيضا، وبقيت المنطقة العربية كلها مستهدفة من الأطراف الاستعمارية كافة.
وجاء الاستهداف الأكبر لهم من قبل ثورة العرب الكبرى المجيدة (الفرس الشقراء) التي إنطلقت من مشارف مكة على يد ملك العرب وشريفهم الحسين بن علي طيب الله ثراه- بتاريخ 10 يونيو 1916، ووضعت نصب عينيها دحر الدولة العثمانية والاستعمارين الانجليزي والفرنسي أولا، و توحيد بلاد العرب.
وفي السياق ذاته، كتب المؤرخ الأردني الكبير سليمان الموسى في كتابه (الحركة العربية – سيرة المرحلة الأولى للنهضة العربية الحديثة 19081924 . ص 695) ".... بأن الملك الحسين بن علي قد تصور الوحدة العربية بعلم واحد، ونقد واحد، وجوازات سفر واحدة، ومصالح إقتصادية واحدة، وجيش واحد". وفي المقابل اصطدمت الثورة بالاستعمارين اللذين خططا معا لأحباطها وإعتراضها في مهدها. وكمخرج للعرب من أزمتهم أمام المد الاستعماري المباشر، و الصهيوني الخفي منذ مؤتمر بازل في سويسرا، وبعد تأسيس مؤسسة (ألايباك) عام 1953 وحتى الآن هو ما كتبه لنا في المقدمة محمد حسنين هيكل في كتابه (العروش والجيوش): هناك شرطين لازمين لكي لا يتوقف الزمن العربي: الشرط الأول إستعادة الوعي بوسائط المعرفة.
والشرط الثاني إستعادة الإرادة بوسائل العقل.