تواجه سفارات أردنية في بعض دول العالم، مثل مصر وتركيا، ودول أخرى، أزمات تتعلق بأوضاع قانونية لمواطنين أردنيين، وهي بسبب التعليمات غير قادرة على حل مشاكلهم.
لقد أثير هذا الملف مرارا، دون أن يمتلك أحد الجرأة من أجل إيجاد حل، هذا على الرغم من أن الإجراءات التي يتم اتخاذها غير دستورية، ومخالفة للدستور، لكن رغم ذلك يتم تطبيقها، فلا تعرف كيف يتم اللجوء الى هذه الوسائل، جهارا نهارا.
آلاف الأردنيين في دول العالم، تقطعت بهم السبل، وكانوا في الأساس قد فروا بسبب قضايا مالية، وأغلبهم متعثر، وليس محتالا، ونحن هنا نتحدث عن المتعثرين، وحين يذهب أحدهم الى بلد ما، بجواز سفر صالح، سرعان ما يتم التعميم عليه، بعد صدور حكم ضده، ويصير مطلوبا للقضاء، وهذا حق طبيعي للدائن، وللدولة، من أجل استرداد الحقوق.
الذي يحصل أن كثرة من هؤلاء ومعهم عائلاتهم، أحيانا، يغادرون الى دول مختلفة، هربا من الدين، بسبب عدم القدرة على السداد، ويقيمون في تلك الدول بشكل طبيعي، ويحصلون على إقامات، ويعملون وينفقون على أنفسهم، أو عائلاتهم، حتى يجدوا فرجا لسداد الدين، فهم لا ينكرونه في الأساس، وحين تنتهي صلاحية جوازات سفرهم، يراجعون السفارات، لتجديدها، فيتم رفض التجديد، كونهم مطلوبين للأردن، ويتم أيضا منحهم وثيقة سفر لمرة واحدة، اذا رغبوا، للعودة الى الأردن، لتسليم أنفسهم.
وجه المشكلة هنا يرتبط بأكثر من جانب، أولا منع التجديد غير دستوري، وغير قانوني، وليس من حق أحد، منع تجديد جواز السفر، وتحويله الى وسيلة ضغط، وهذه قصة لا تليق بسمعة الأردن أمام منظمات حقوق الإنسان في العالم، وثانيا أن عدم التجديد يحول الأردني في الخارج، وقد يكون معه أفراد عائلته، الى مقيم مخالف، كونه لا يستطيع تجديد إقامته على جواز منتهي الصلاحية، وبالتالي يخسر عمله، وقد يتم إخراج أولاده من المدرسة، ويصير مطاردا مرتين؛ مرة من البلد الذي يقيم به بشكل مخالف، ومرة من بلاده.
هذا يعني أن التدمير هنا، يصبح شاملا، وأنا هنا لا أبرر منح غطاء قانوني للهاربين، أو أطالب بتسهيل عيشهم في الخارج، على حساب الدائنين أو الذين يطالبون بحقوق منهم، لكنني أنبه بشدة الى أن الإجراء في الأساس مخالف، كما أنه يوقع أضرارا أكثر سوءا من الجريمة الأصلية، هذا اذا افترضنا أن التعثر المالي، جريمة.
هذا الملف تمت إثارته أمام رؤساء حكومات سابقين، وأمام وزراء داخلية سابقين، ولم يتنازل أحد لبحث الملف بشكل جدي، رغم أننا بتنا أمام ظاهرة وجود آلاف الأردنيين المشردين في دول كثيرة، فهو فوق الديون عليه، والأحكام التي تلاحقه، يصير مخالفا في تلك الدول، ومشردا بلا عمل، وقد ينام بعضهم على الأرصفة، ويتسولون رغيف الخبز.
تجديد جواز السفر هنا، حق طبيعي، ولربما يساعد صاحبه على الإقامة في الخارج بشكل قانوني، ويؤهله للبدء بسداد دينه، والوصول الى تسوية مع الدائن، ما دام لديه دخل في الخارج، فيما عدم تجديد جواز السفر، يؤدي الى دمار كبير، على مستوى حياة المدين، وعائلته، وكأننا هنا نريد اقتطاع لحم المدين بالسكين، بذريعة الدين، فنتعسف في الإجراءات، على الرغم من أن العالم اليوم بات يتعامل مع القضايا المالية بطريقة مختلفة.
كيف تقبل الحكومات على نفسها أن يكون لديها آلاف المواطنين المعلقة مواطنتهم مؤقتا بذريعة قضايا التعثر، وليس الاحتيال، ويتوزعون على عواصم العالم، وقد كان الأصل تجديد وثائقهم بشكل طبيعي، لعلهم يحصلون على فرص جيدة في هذه الدول، تمكنهم في الأساس، من الوصول الى تسويات وسداد ديونهم المترتبة عليهم.
لعل رئيس الوزراء، يجالس وزير داخليته، وأركان حكومته، ومعهما خبراء في هذا الملف، وسفراء حاليون أو سابقون في الدول التي بها هذه الحالات، للوصول الى حل يليق ببلد مثل الأردن، الذي يقترب من مئوية الدولة، لكن لديه مواطنين تم تعليق مواطنتهم.
الاعتياد على قرار منع تجديد جواز السفر، لا يعني أنه مشروع، بل لأنه لا أحد يريد شرب حليب السباع، وإعادة النظر في هكذا قرارات، تخالف كل المعايير القانونية والإنسانية.
ثم إن هناك فرقا كبيرا بين التعثر والاحتيال.
(الغد)