قبل فترة وجيزة أعلن المجلس الأعلى للسكّان بان هناك حوالي )57( جنسية في الأردن، وبحسب المجلس الأعلى للسكّان فان أكثر الجنسيات عدداً: السوريون، والعراقيون والمصريون والفلسطينيون. وهذا الخبر ليس بغريب على الأردن، فلطالما كان الأردن -وما زال-أبوابه مشّرعة للجميع.
فموقع الأردن الجغرافي يميزه عن غيره من الدول، فالأردن فيه المواقع الرئيسية للحج المسيحي (المغطس في منطقة البحر الميت، جبل نيبو في محافظة مأدبا، مكاور في الجنوب الشرقي من حمامات ماعين، كنيسة سيدة الجبل في محافظة عجلون، ومار الياس في الشمال الغربي من مدينة عجلون). وليس ذلك فقط، فالأردن يقع ضمن واحدة من مسارات قوافل الحج الأربع الرئيسية أبان العصر العثماني، وهو مسار قافلة الحج الشامي والذي كان يضم حجاج بلاد الشام والجزيرة وكردستان واذربيجان والقوقاز والقرم والاناضول والبلقان وحجاج منطقة تركيا.
ولمن لا يعرف فقد كان هناك ما يعرف بقوافل الحج الأربع الرئيسية وهي: قافلة الحج الشامي، قافلة الحج المصري (التي كانت تضم حجيج مصر وشمال افريقيا)، قافلة الحج العراقي (وتضم حجاج العراق وبلاد فارس)، وقافلة الحج اليمني (حجيج اليمن والهند وماليزيا واندونيسيا).
ولقد زادت الأهمية الجغرافية للأردن مع افتتاح الخط الحديدي الحجازي في عام 1908، حيث أصبحت المناطق الرئيسية في الأردن مثل عمّان ومعان امتداداً لطرق قوافل الحج التي كانت تنطلق من دمشق مروراً بدرعا وعمّان ومعان الى ان ينتهي فيها المطاف في المدينة المنورة.
ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى أصبحت الأردن محطة رئيسية للأتراك ونقطة تمركز لقواتها، ويروي المؤرخ الراحل سليمان الموسى في كتابه (عمّان – عاصمة الأردن) بان عمّان أصبحت مركزا عسكريا ذا أهمية بسبب وجود سكة الحديد، وازدادت أهميتها بعد ان استولت قوات الثورة العربية على العقبة الى ان أصبحت عمّان مقراً للقيادة الهاشمية.
وكل هذه جعل من الأردن دولة تحتضن جميع الاجناس والاصناف والبشر، فكم من حاج مر في الأردن وتقطعت به الاوصال فاستقر في الأردن، وكم من جندي أصيب في حرب او معركة واستقر في الأردن، وكم من شخص أتى للأردن وأحبها واستقر فيها وكم وكم وكم. الدكتور موفق عادل خزنة كاتبي في مطلع كتابه (محطة عمان في الاربعينيات) يتحدث عن المجتمع العماني في هذه الحقبة فأشار الى جنسيات عديدة كالبريطان وضباط من الهند وأصحاب المحلات من الحجاز ومن دمشق والعراق ومن فلسطين ومن مصر، حتى ان جدة الكاتب عبدالرحمن منيف كانت عراقية. وأهل عمّان يعرفون بائع الفستق أبو احمد (عمر محمد حمزة النيروبي) وهو من معالم عمان القديمة، وهذا الرجل من نيجيريا قدم الى عمّان مرافقاً لخالته للذهاب الى الحج الا انه تقطعت به السبل ومنذ ذلك الوقت استقر في عمّان، وغيرهم وغيرهم وغيرهم.
خلاصة القول، الأردن بعاصمتها وكافة مدنها لم تكن فقط رمزاً للعروبة فحسب بل تعدى ذلك للعالمية، الأردن على مر العصور لم تغلق أبوابها امام أيٍ كان؛ وتعدد الجنسيات هذا ليس بغريب فلو عددنا الجنسيات التي كانت في الأردن قبل 100 عام فإنها قد تكون 57 جنسية أو أكثر.