2021 .. هل سننفض غبار الخيبات؟!
د. نضال القطامين
31-12-2020 10:53 PM
عامٌ آخر تشرق أيامه الحبلى على شرقي المتوسط، لا شيء في العتمات سوى صليل سيوف الوباء ووقع رماح الجهل، عام آخر تشرق شموسه المرهونة بانحسار القيود تلك التي كبّلتنا ورهنت منّا المصائر، بعطسات الغرب وانفلونزا الشرق، والصامتون في شرق المتوسط، وفي كل البلاد التي تستورد القمح ولا تزرعه، صامتون جداً "يفتلون الشواربا ويسترجعون المناقبا ويصنعون الأطفال والتراب والكواكبا"، مشاريع طوابير بانتظار الفرج.
عام آخر، تتكرّس فيه الخيبات، يواظب العرب فيه على رؤوس الأشهاد نثر الإنكسارات والنوم في منتصف أقفاص التخلّف والتراجع، يُرسّخون فيه صور التهافت وأسباب الإقتتال الواهية، حيث تنتظر الحكومات قاعات اجتماع مفخخة، وحيث يكون السلاح قبل الخبز. وبينما يفكر العالم كله بوصفات للخروج، نُحْكم إغلاق القضبان وننصرف لافتعال حروب الغدر والتقاعس والتقهقر والتفريط.
عام غير مختلف، المستقبل فيه بين قبضات الشعوب المحكومة بالديمقراطية الحقيقية، المسنودة بثالوث المعرفة والقوة والمال ولا عزاء للكنتونات الهزيلة المتناسل ظلامها واستعمارها وتبعيتها وتخلفها ودكتاتورياتها، والأنكى ابتعادها عن دينها الذي وضع خطوط الحضارة والتقدم وفي ذلك شواهد ماثلة في التاريخ.
عام ترتهن مصائر الأمم فيه بالوباء وبلقاحه، فيعتكف العلماء في المختبرات للخروج بوصفات ولقاحات، ونعتكف في خنادق المعارك الهزيلة المضحكة، حيث لا تكفي الكمامة وحدها كي تسد ثغرات الوباء، في الإقتصاد والصحة وفي التعليم على أصح الأقوال، حيث لا تنتظم صفوف الطلبة وحيث يمارس التعليم بنماذج تكرس اختلالات التعليم الوجاهي وتزيد طينه بلّا.
استذكر مع استاذنا الكبير عبد السلام الطراونة،" خزّاف تيسير السبول في رباعياته المترجمة، قام خزاف عجول طينه يدحوا امامي، يضرب الاعضاء بالاعضاء في غير اهتمام، بلسان غير مرئي رأيت الطين يضرع، يا أخي الحي .. تمهل .. وترفق بعظامي!"
غاب تيسير، وتغيب شمس العام والناس، في كل الدنيا، ينقسمون بين غني ينتظر لقاحا مبرّدا، وفقير ينتظر عدل الأغنياء. وبين هذا وذاك، تضيع أحلام الفتية في العمل والحياة وأسرة خبأوا لسعادتها الأحلام.
عام جديد، ينتظر الناس فيه انحسارا للوباء، ولا أحد ينظر فيه نحو انحسار الجهل والتطرّف، أو على الأقل، إنحسار الغيمة التي حجبت شمس الديمقراطية في أمريكيا الضاحكة، حيث يتأهب سيد البيت الأبيض الجديد للوثوب على كرسي العالم، في الوقت الذي ما زال فيه المنتهية ولايته يقاتل بالتغريدات.
ماذا سيحمل العام الجديد لاجيال الامة. هل تكفي الأمنيات، هل سيكون بوسع اللقاحات إعادتنا على الأقل لقضيض المضاجع، يوم كنّا نتحدث عن وحدة عربية وعن تنمية واستثمار يولّد فرص العمل وعن تمهيد حقيقي لتدفق السيّاح ويوم كانت قضيتنا مع اغتصاب الحقوق في فلسطين مستقر الإعلام والصحافة ومنابر النقابات والبرلمان؟
ماذا سيحمل العام الجديد من أمنيات جديدة، حياة بلا كمامات؟ ام ديمقراطيات عادلة؟ أم اقتصاد ناهض نشط؟ أم سياحة تنموية تدير عجلة البلاد؟ ماذا عن سلالات الوباء المتناسلة في سفوح الأوطان، ماذا عن لقاحات جديدة وكمامات إضافية، وإغلاقات متلاحقة، ماذا عن قطاعات متهشّمة كي لا أقول متضررة، ماذا عن المصانع والنقل وأسر يدور مطبخها برزق النهار، فإذا خرج أربابها وعادوا متعبين أكل الناس وعصروا، وناموا على قلق الجوع إذا ما عادوا بخفّي حنين.
عام جديد وأمنيات تطول. لكن الناس في كل العالم ينقسمون، بين غني ثمة فرص وافرة أمامه للخروج من خيمة الحظر والتعطيل، وفقراء يمضون ثلث الليل في البحث عن مخارج من خيمة الكآبات.