مع اختتام عام الـ 2020 باستبداده المطلق على إنسانيتنا وأوجاعه وآلامه الغائرة التي حلّت فينا وقسوته التي سحقت قوت الكثيرين من المواطنين المتأرجحين على هامش الحياة، نستودعُكِ طمأنينتنا أيتها الحياة؛ فترأفي بنا...
عام الـ 2020 كان استثنائياً بكل المقاييس، ضربَنا جميعاً بإعصاره؛ فاهتزت سفينتنا وحلَّ الطوفان، بزيارته غير المرحب بها لنا وللعالم أجمع اشتعلنا قلقاً وغضبا، دخلنا في دوامة الحجر الصحي وتألمنا من الحظر الشامل ورضخنا جميعاً دون استثناء لأوامر قانون الدفاع، تسمّرنا كل ليلة أمام الشاشات لنتابع بخوف وقلق نجاحنا الخجول أو فشلنا الكبير في الامتحان العصيب... رافقنا أول المصابين برحلة علاجهم وودعناهم مع الحكومة لباب المستشفى، كي نحتفل بانتصار مؤقت على الوباء، إلى أن حلّت ساعةٌ لم ينفعنا فيها لا مال ولا بنون، ساعةٌ لم تشفع لنا فيها أرضنا المقدسة على تجاوز الوباء وحلَّ الطوفان الكبير من جديد... بعضنا قاوم وبعضنا الآخر سلّم آخر جندي له في المعركة وتخلّى عن مغامرته الكبيرة تاركاً خلفه عائلة وأحباب وجيران وأصدقاء... لا نستطيع أن نقول ونحن الضحايا والأبطال في ذات الوقت أننا نجونا ولكننا لا نزال على قيد الأمل نقاوم في رحلتنا الصعبة نحو المجهول.
عام كامل اقتطعه الوباء من أعمارنا ووضعنا في مواجهة مع أنفسنا وأجبرنا بكل تأوده على اكتشاف ذواتنا واختبار هشاشتنا وقدرتنا على الاحتمال؛ عام بالحقيقة لا يشبه أي عام! عام تمكن بكل استهزاء أن يضعضع ثقتنا بقدراتنا البشرية وإنجازاتنا العلمية والتكنولوجية على حد سواء، عام وضع العالم كله على المِحك؛ فسقطت بعده كل الاعتبارات وأدركنا أننا لا نستطيع أن نحمي ذاتنا من المواجهة وفهمنا في نهاية المطاف عبثية الحياة!
في الساعات الأخيرة من عام الكورونا العصيب ورغم كل ما خلّفه على البشرية من آثار جمّة؛ علينا أن نقبل المشهد أولا بما يحمله من تبعات، ونؤمن أننا لا نزال نمتلئ بالأحلام، ولا يزال تجمعنا أمنيات الخروج من الوباء والبدء من جديد، لا يزال خيط النور متسربلاً في أرواحنا مع كل إشراقة شمس، لا نزال نمتلك الأقدام لنسير عليها والقلب كي ينبض بالحياة، لا يزال الحب ممكنا في زمن الكورونا، لا يزال مذاق الفرح حاضراً بوجبة دافئة نأكلها مع عائلاتنا، بضحكة طفل أدهشته تجربة جديدة وامتنان فقير ودعوة أم حنون، لا يزال بوسعنا اختبار معنى وجودنا وإدراك أسباب الحياة، لا يزال الطريق مفتوحاً حتى لو أوصد الوباء علينا باب التحرك والتنقل كما نحب.
للراحلين عنا في الـ 2020 لكم الرحمة والنور والسرور حيث تسكنون وللمحاربين الذين تمكنوا من النجاة، علينا أن نقاوم جميعاً حتى الرمق الأخير لنصل معاً لنهاية النفق، ربما شعرنا أننا تيبسنا وجفّت المشاعر فينا، ولكننا لا نزال نحمل في سجون أجسادنا أرواحاً قادرة على أن تزهر رغم جفاف الأرض تحتنا واهتزازها فينا، لا يزال الغد هو الأجمل رغم ضبابتيه والمستقبل فاتحا ذراعيه رغم محدوديته ولا يزال عشق الحياة صادحاً فينا إذا ما استطعنا إليها سبيلا...
كل عام ونحن جميعاً معاً والوطن بكل طواقمه وأجهزته بألف خير... كل عام والإنسانية جمعاء بخير...