التغير المناخي وانتشار الأوبئة .. إنها ثورة الطبيعة
د. م. محمد الدباس
31-12-2020 09:16 AM
النظرة المتشائمة للواقع المرير لمعظم قطاعاتنا الإقتصادية لهذا العام "غير المأسوف عليه" تظهر مرارة الواقع وآثاره التي خلفها وراءه بسبب تراجع مستويات الظروف الإقتصادية والمالية بنسب عالية، وانحدار النشاطات اليومية المعيشية إلى مستويات لم نعهدها من قبل، وفقدان الوظائف وركود إقتصادي غير مسبوق وتعريض قطاعات إقتصادية للإفلاس، بسبب الإغلاقات المتتابعة للدول وبسبب فرض قواعد التباعد الإجتماعي.
وما يخفف من وطأة هذه النظرة هو أنها ملمة لكافة أرجاء المعمورة وليس تحديدا لنا في الأردن. بالرغم من وجهة النظر الإقتصادية بأن لا أمل بالخروج من هذه (الزوبعة) دون تبعات وندب إقتصادية ومالية وصحية ونفسية مرهقة ستبقى متوارثة لأجيال قادمة، فمثلا وصلت نسبة تراجع القطاعات التجارية هنا في الأردن وحتى تاريخه إلى أكثر من 50%، ورافق ذلك نقص في الإيرادات المحلية عن المتوقع لعام 2019 ما مقداره مليار ومائة مليون دينار أردني.
أما النظرة الإيجابية لجائحة كورونا، فهي أنها وإن جاءت كثورة للطبيعة (كردة فعل)؛ إلا أنها كانت وأقصد (الكورونا) سببا في خطط التعافي البيئي العالمي، فكان العام 2020 ديناميكيا في أحداثه المتتابعة، فكانت الكورونا وموضوعها أبرز الأحداث العالمية، وما يبعث على الطمأنينة هو أن التقارير الفنية لقياس (جودة الهواء) من حيث حجم الجزيئات العالقة الكلية (Total Suspended Particulate TSP) أو الجزيئات الدقيقة (Particulate Matter less than 10 Micron PM10 & PM2.5)وتراكيزها في الهواء المحيط، قد كانت أقل مما قد تم التبؤ به على كافة المستويات المحلية والإقليمية والدولية من خلال برامج الرصد والمراقبة البيئية لجودة ونوعية الهواء المحيط (Ambient Air) ؛ مما يعني بأن نسب التلوث البيئي قد انخفضت إنخفاضا حادا بنسب لم نكن يوما نتوقع حدوثها إلا بسبب هذه الجائحة، فحقق الوباء ما لم تستطع إستراتيجيات واتفاقيات دولية وخلاصات مؤتمرات من تحقيقه، فهل كان الوباء هو بقعة الضوء في نهاية النفق؟ وهل كان الوباء سببا في إطلاق خطط التعافي الخضراء أمام تغير مناخي يشكل لنا جميعا تحديا بيئيا لطالما عانت منه دول كثيرة ومرشحة دول أخرى لتقلبات ظروف البيئة، من حيث إنتشار الحرائق والأعاصير والفيضانات وارتفاع حرارة الأرض، وزيادة في انبعاثات الكربون جراء نشاطات القطاعات الصناعية والخدمية وقطاع النقل وغيرها من القطاعات المؤثرة ذات العلاقة؟
للعلم، فقد تم رصد تراكيز أكاسيد النيتروجين(NOx) في الهواء الجوي لأغراض قياس جودة الهواء لبلدان عدة منها: الصين وايطاليا ودول حوض المتوسط فانخفضت تراكيز أكاسيد النيتروجين (NOx) في دول المتوسط بنسبة 60% عما هو معهود، وانخفضت جزيئات الهواء الدقيق PM2.5 بنسبة 31% وارتفع تركيز الأوزونO3 بنسبة 4%، وتم الحد من التلوث الضوضائي حيث تم رصد ذلك في أكثر من عشرة آلاف محطة رصد لجودة الهواء في 34 دولة حول العالم.
إذن؛ فقد تعافت النظم البيئية الإيكولوجية، وصفت السماء لأول مرة أمام ناظريها، وانخفضت نسبة وفيات الأمراض المزمنة لأجهزة التنفس بسبب الربو والتحسس جراء (التعرض المستمر للتلوث)، وكل ذلك بسبب ضعف الطلب على مصادر الطاقة التقليدية بشكل كبير، جراء إنخفاض مؤشرات الصناعة والنقل والخدمات مما أدى إلى إعطاء فسحة أمل للطبيعة للتجدد وإعادة التوازن لكافة النظم البيئية.
وبعد كل هذا؛ ألا يجدر بنا أن ننظر نظرة تفاؤل من منظور آخر للكورونا؟ بدلا من نظرتنا التي كانت تراقب عن كثب المصطلح الأكثر ترددا لهذا العام وهو كيفية (تسطيح) المنحنى؟.
على أمل أن يكون العام القادم أفضل من سابقة أستودعكم الله تعالى،
"حمى الله الوطن والقائد وحماكم جميعا".