أضاء علينا هذا الفيروس (المُجنّد) كلّ الزوايا المظلمة في حياتنا كأفراد ودول ؛ أما من لم ينل حِصّتَه من الضُوء فمرَدُّ ذلك الى ضعفٍ في بصرِه ، أو نقصٍ في وعيِه . وكم تمنيتُ كمُحِبّة للبيئة لو كان الفيروس هو فعلُ " احتجاج " الطبيعة على التلوّث ، لكنّه كان استجابةً لإطلاق شبكة الجيل الخامس اللازمة لتغيير العالم وتهيئتِه ليشهد الثورة الصناعية الرابعة عبر المُستشفيات .
وبمنطق البقاء للأقوى ، فلقد حصدَ الفيروس بطريقه كبار السن والمرضى ، وكأنه يتواطأ مع صانعيه ليُبقي على الشباب "مُشغليّ " الثورة التكنولوجية التي بدأت بالفعل ، فهناك بيوت تُبنى بعشرين ساعة ، وهناك مجسمات كاملة تخرج من الطابعة ثلاثية الأبعاد وكأنها أُمٌّ تضع مولودها الكامل ولكن بلا روح ! وهناك مدن - بل وبلدات - قد بدأت تصنع بالفعل ما احترفت الصين صنعَه منذ عقود .
هذه التطورات ممتازة وستصُب بمصلحة البشرية (إذا) روعيتْ الرّحمة والأخلاق في توزيع مُخرجاتِها ، وإذا لم يتسابق عليها من وصَفَتْهم تيريزا ماي "بالعصابات الشيطانية " ، وهذا الوصف لم يخرج من عندنا نحن الشعوب المُتهمة بعقدة المؤامرة ، بل خرج ممن كانت أكبر صانعة قرار في بريطانيا ، وأمام مجلس العموم .
لكن الجميل أن الفيروس جعلنا نُدرك كدول عربية أننا عُدنا الى عصر المحميات ، وكَشَف كل ما كان مُخبأً في النوايا ، ووضعَنا في مواجهة مباشرة مع كل ما ينقصنا من الفكر إلى الزراعة . ففي حين كان الفيروس موجة قاتلة للتمهيد لواقع تكنولوجي جديد تماماً ، أعادنا دون قصد إلى بدَهية الرجوع لأقدم فِعل حضاري ؛ بل لما رسّخ الحضارات وثبتّها وهو فِعل الزراعة .
أما المجتمعات ، فلقد أدركتْ فعلياً ما تَحدّث به الحُكماء والأنبياء من أولوية الترابط العائلي ، وتقديم العلاقات الإنسانية على الركض المحموم خلف المال والألقاب . من هُنا تفسّخت بعض البيوت ، والتأمت أخرى ، وتفرّقت بعض الزيجات ، وعادت أخرى ، وفشلت حُمَى الإقتناء لصالح ما هو حقيقيّ وأصيل .
قدّمتْ لنا فترات الحجر المنزلي الفُرصة الفريدة لرؤية ذواتِنا من الداخل ، ومعرفة ما هو الشيء الذي نفتقد له كأفراد ، وكم كان بعضنا كالقِط يجري خلفَ ذيله . عرفنا من يُحبنا بكامل نقصِنا ، ومن يُحبنا نفاقاً لبعض قُوتَنا ، وجرّبنا استفاقات هائلة من الوعي الرَوحانيّ المُشرق، فَمَنحَ قنديل الكورونا الفُرصة لِمن فًهِم الدّرس، كي يتوَهَّجْ.