كان العام 2020 أشبه بكابوس لا نهاية له ويستحق تسميته عام جائحة كورونا بامتياز. عام استثنائي فرضته علينا وعلى البشرية جمعاء جائحة كورونا والتي مثلت خطرًا صحيًا داهمًا أحدث عدم توازن لدى الحكومات والشعوب على حد سواء. أصبح البقاء والنجاة الشغل الشاغل للحكومات والأفراد على حد سواء.
أصبح القلق والخوف من المستقبل والمجهول الحالة السائدة لدى أغلبية الناس وتم تسخير كل شيء في سبيل المحافظة على الأرواح والحياة. الجائحة الأخطر وغير المسبوقة منذ عشرات السنين جعلت المجتمع حقل تجارب لسياسات متعددة بسبب طبيعة الجائحة على أمل مواجهة مخاطر هذه الجائحة صحيًا واقتصاديًا ثم تجريب العديد من السياسات والإجراءات تفاوتت نسبة نجاحها ولم تكن دون انتكاسات عالميًا ومحليًا.
في لحظة ما في الاردن ظننا أنا ألقينا القبض على الفيروس وابعدنا الخطر عنا وأصبحنا نموذجًا يُشار إليه في مواجهة هذه الجائحة الخطيرة. لقد شعرنا بحالة من الاسترخاء شعبيًا ورسميًا لتعود الجائحة من جديد وبازدياد لحالات الإصابة غير مسبوق وشعرنا بانفلات زمام الأمور وان الخطر داهمنا من جديد الى نقطة الصفر. نودع هذا العام وقد تم إعادة السيطرة التدريجية على الجائحة حيث تم الاستنفار الصحي وتسخير كافة الإمكانات لمكافحة هذا الوباء ليتراجع منسوب الخوف والقلق نسيبا وإن لم ينتهي كليًا.
الجائحة تركت آثارًا كبيرة على المجتمع من أهمها التعبير في كثير من العادات والممارسات المرتبطة بالتواصل والتراحم الاجتماعي التي كانت مسلمات لدينا في الموت والفرح و طقوس العبادة وغيرها من الممارسات. بعد مرور الوقت، بدأت الدولة والمجتمع بالتكيف مع الجائحة والتعايش معها وإيجاد الحلول للتحديات ضمن الإمكانات المتاحة. فقد انتقلنا للعمل من البيت والتعليم عن بعد وبالرغم من الإشكالات المصاحبة لهذا الانتقال في البداية، استطعنا التكيف بدرجات معقولة وأدركنا الإمكانيات والثغرات في الوقت نفسه وكذلك الحال في بقية الجوانب.
أثر الجائحة كان مدمرًا اقتصاديًا فكثير من الناس فقدوا وظائفهم ومصادر دخلهم واغلقت بعض القطاعات كليا، وأصبح تدبير الحاجات الأساسية معضلة تواجه مئات الآلاف من الاسر. وضمن الإمكانيات، أبدى المجتمع والدولة قدرا جيدا من التكافل والتضامن للتخفيف من أثر الجائحة على معيشة الناس، وبالرغم من ذلك، فإن أكثر الآثار اقتصاديًا كانت بارتفاع معدلات البطالة والفقر وخاصة لدى الشباب، وأدت الجائحة لإعادة ترتيب الأولويات حيث برزت أهمية الصحة العامة والأمن الغذائي كأولويات ليست فقط خلال فترة الجائحة وإنما بشكل دائم.
لقد عززت حائجة كورونا من مبدأ تكريس الاعتماد على الذات والانتباه للإمكانات الكامنة وطنيًا سواء كانت من الموارد البشرية أم الطبيعية وضرورة تعزيزها وجعلها ركيزه لكافة السياسات المستقبلية وخاصة الاقتصادية منها. نهايه هذا العام لا تعني نهاية التحديات والمخاطر لكننا نودع هذا العام ويحذونا الأمل لعام جديد يكون عام التعافي والانطلاقة لمستقبل أفضل.
اختراع اللقاح لكورونا والبدء باستخدامه عالميًا ومحليًا يبعث الأمل في التغلب على الجائحة والعودة التدريجية للحياة الطبيعية وخاصة الاقتصادية. يُصادف العام القادم مرور مائة عام على نشوء الدولة الأردنية وهذه مناسبة لنا لاستذكار الإنجازات الكبيرة التي حققها الأردن وضرورة المحافظة عليها ومعالجة المشاكل والاختلالات التي تعرضنا لها ونأمل أن يكون الاحتفال بالمئوية مُناسبة لانطلاقة جديدة عنوانها التقدم والإنجاز. كل عام وانتم والوطن وقائده بألف خير.
الغد